أية رسالة توجهها تطورات المعركة الجارية في مصر لمحاصرة وتفكيك مباحث أمن الدولة ومعه التنظيم السري الذي أحدث في وزارة الداخلية لوضع مخطط التوريث؟، الجواب بسيط وواضح، هو أن الدولة العلنية القائمة على المؤسسات لم تكن سوى واجهة لدولة خفية عمودها الفقري الأجهزة الأمنية والتي تمثل السبب الرئيسي لتغول وتطرف الاستبداد والتسلطية وما ينتج عنها من طغيان سياسي ونهب اقتصادي وتبعية للخارج.
من هنا ينبغي التشديد على ضرورة الوعي ببنيات الدولة الخفية المتحررة من كل محاسبة والموجودة خارج المؤسسات والمتوفرة على كافة الإمكانات المالية والمعلوماتية والتواصلية والبشرية لتنفيذ مخططاتها وقراراتها، ليس فقط في مصر بل وفي عموم دول المنطقة العربية، بما يجعل من الدولة القائمة والممثلة في حكومات ومؤسسات وبرلمانات ليس سوى أجهزة شكلية وأدوات لمصلحة الدولة الحقيقية، ولعل في مسارعة ضباط مباحث أمن الدولة في مصر لإحراق أرشيفات هذه المباحث مؤشر على الخوف القائم من انفضاح حقيقة الجرائم المرتكبة وقبل ذلك كشف آليات أدوات اشتغال التسلطية والتي سمحت للاستبداد بالاستمرار طيلة السنوات إن لم نقل العقود الماضية.
ورغم أن الحديث عن دولة خفية في بلد مثل المغرب ليس بالجديد، إلا أن التركيز كان يتم على الحزب السري أكثر منه الدولة الخفية المدعمة بكافة الإمكانات لتطويع مؤسسات الدولة العلنية لمصلحتها، لكن ما شهده المغرب في السنوات الأخيرة بعد اعتماد أسلوب الحزب السلطوي في تدبير الحياة الحزبية ومعه التعميم التدريجي لسياسة التحكم في مختلف مجالات الحياة العامة، شكل مؤشرا نحو انزلاق تدريجي لمصلحة إرساء بنيات الدولة الخفية.
لقد تشكلت هذه البنيات في الدول الأخرى تحت ذريعة محاربة التيار الإسلامي واستغلته كورقة لضمان سكوت الفاعلين السياسيين والمدنيين، ثم تحول مركز النفوذ والقوة المرتبطة بهذه البنيات إلى مشروع دولة خفية ممتدة الأدوات، والانتباه لوجود مثل هذه السيرورة في حالة المغرب شرط ضروري لاستيعاب حجم وأبعاد ممانعة التوجهات السلطوية هنا تجاه الانخراط في الإصلاحات الضرورية، لأنها في العمق تعني إيقاف مسلسل انطلق لتأسيس وتقوية مؤسسات الدولة الخفية والذي يمكن اتخاذ السياسات التي اتبعت بعد التفجيرات الإرهابية لـ16 ماي كنقطة بداية له، مما يقتضي عدم الاستهانة بالمقاومة الحالية للإصلاح.
إن خيار الإصلاح السياسي والدستوري العميق لا يحمل معه مشروع إنقاذ للمجتمع بل للدولة نفسها من السقوط ضحية مراكز نفوذ خارج المؤسسات ومتحررة من المسؤولية أو المحاسبة، ذلك أن التسلطية مثل النار إذا لم تجد ما تأكله تأكل نفسها، ولهذا ينبغي الحديث بصراحة أن الوقت ضاغط للمراجعة الجذرية لهذا المسار، وما يتطلبه من فك الارتهان لمشروع الحزب السلطوي أو الإرتباط ببنيات التحكم الاقتصادي.
ليس هناك من خيار سوى الإصلاح، والمغرب مؤهل للقيام بذلك بكلفة أقل ومردودية أعلى، ودون أن يكون الثمن ما يهدد وحدته أو يضعف استقراره أو يفقده مقوماته التاريخية والحضارية، وحالة الاحتجاج الشبابي المستمرة دعوة واضحة لعدم إيهام الذات بالقدرة على اجتياز الموجة الديموقراطية الراهنة، لأن هذه الموجة مثلها مثل موجة الاستقلال في الخميسينيات من القرن الماضي لن تستثن بلدا ولو بعد حين.
مصطفى الخلفي /التجديد
من هنا ينبغي التشديد على ضرورة الوعي ببنيات الدولة الخفية المتحررة من كل محاسبة والموجودة خارج المؤسسات والمتوفرة على كافة الإمكانات المالية والمعلوماتية والتواصلية والبشرية لتنفيذ مخططاتها وقراراتها، ليس فقط في مصر بل وفي عموم دول المنطقة العربية، بما يجعل من الدولة القائمة والممثلة في حكومات ومؤسسات وبرلمانات ليس سوى أجهزة شكلية وأدوات لمصلحة الدولة الحقيقية، ولعل في مسارعة ضباط مباحث أمن الدولة في مصر لإحراق أرشيفات هذه المباحث مؤشر على الخوف القائم من انفضاح حقيقة الجرائم المرتكبة وقبل ذلك كشف آليات أدوات اشتغال التسلطية والتي سمحت للاستبداد بالاستمرار طيلة السنوات إن لم نقل العقود الماضية.
ورغم أن الحديث عن دولة خفية في بلد مثل المغرب ليس بالجديد، إلا أن التركيز كان يتم على الحزب السري أكثر منه الدولة الخفية المدعمة بكافة الإمكانات لتطويع مؤسسات الدولة العلنية لمصلحتها، لكن ما شهده المغرب في السنوات الأخيرة بعد اعتماد أسلوب الحزب السلطوي في تدبير الحياة الحزبية ومعه التعميم التدريجي لسياسة التحكم في مختلف مجالات الحياة العامة، شكل مؤشرا نحو انزلاق تدريجي لمصلحة إرساء بنيات الدولة الخفية.
لقد تشكلت هذه البنيات في الدول الأخرى تحت ذريعة محاربة التيار الإسلامي واستغلته كورقة لضمان سكوت الفاعلين السياسيين والمدنيين، ثم تحول مركز النفوذ والقوة المرتبطة بهذه البنيات إلى مشروع دولة خفية ممتدة الأدوات، والانتباه لوجود مثل هذه السيرورة في حالة المغرب شرط ضروري لاستيعاب حجم وأبعاد ممانعة التوجهات السلطوية هنا تجاه الانخراط في الإصلاحات الضرورية، لأنها في العمق تعني إيقاف مسلسل انطلق لتأسيس وتقوية مؤسسات الدولة الخفية والذي يمكن اتخاذ السياسات التي اتبعت بعد التفجيرات الإرهابية لـ16 ماي كنقطة بداية له، مما يقتضي عدم الاستهانة بالمقاومة الحالية للإصلاح.
إن خيار الإصلاح السياسي والدستوري العميق لا يحمل معه مشروع إنقاذ للمجتمع بل للدولة نفسها من السقوط ضحية مراكز نفوذ خارج المؤسسات ومتحررة من المسؤولية أو المحاسبة، ذلك أن التسلطية مثل النار إذا لم تجد ما تأكله تأكل نفسها، ولهذا ينبغي الحديث بصراحة أن الوقت ضاغط للمراجعة الجذرية لهذا المسار، وما يتطلبه من فك الارتهان لمشروع الحزب السلطوي أو الإرتباط ببنيات التحكم الاقتصادي.
ليس هناك من خيار سوى الإصلاح، والمغرب مؤهل للقيام بذلك بكلفة أقل ومردودية أعلى، ودون أن يكون الثمن ما يهدد وحدته أو يضعف استقراره أو يفقده مقوماته التاريخية والحضارية، وحالة الاحتجاج الشبابي المستمرة دعوة واضحة لعدم إيهام الذات بالقدرة على اجتياز الموجة الديموقراطية الراهنة، لأن هذه الموجة مثلها مثل موجة الاستقلال في الخميسينيات من القرن الماضي لن تستثن بلدا ولو بعد حين.
مصطفى الخلفي /التجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق