مقالات في قضايا التربية والتعليم بالجهة الشرقية

مقالات في قضايا التربية والتعليم بالجهة الشرقية*
           محمد السباعي


في موضوع التواصل بين الإدارة والمواطن(1)


لا شك أن الحكومة المغربية واعية بخطورة انقطاع حبل التواصل بينها وبين المواطن، وهذا يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات بما فيها ردود الأفعال المتشنجة أو المتطرفة. ومن أجل مد الجسور مع المجتمع بكل مكوناته قامت الجهات المسؤولة مؤخرا

بتنظيم "قوافل التواصل" للقاء المباشر مع المواطن البسيط والتعريف بمنجزات الحكومة وبمشاريعها وإكراهاتها. وفي هذا السياق جاءت محاضرة السيد والي الجهة الشرقية بجامعة محمد الأول لحث المصالح الخارجية على مزيد من التواصل مع المواطنين. لماذا كل هذا؟

لا شك أن الجميع بدأ يشعر باتساع الهوة بين المجتمع والقائمين على أمر البلاد في جميع المستويات. الشيء الذي يذكي شعور التوجس والاتهام وانعدام الثقة في كل مؤسسات الدولة. ويكرس العزوف عن أي عمل سياسي أو اجتماعي.

بعض المسؤولين يكثرون الكلام والندوات الصحفية ويوزعون معطيات ورقية حول منجزاتهم، لكنهم لا يتواصلون أبدا. ذلك أن كلمة "تواصل" تتضمن كذلك معاني الإنصات والتفاعل الإيجابي مع المواطن وممثليه من نقابات ومجتمع مدني وصحافة.

والتواصل يختلف عن الكلام الذي يكون خطابا من مرسل واحد. بل أكثر من هذا ، لا حظنا مؤخرا هجوما من بعض المسؤولين على الصحافة المحلية واتهامات لها بالنظرة السوداوية والعدمية وتضخيم السلبيات والزلات والعورات و"تسفيه جهود الحكومة".

وفي نفس الوقت يعتبرون أنفسهم فوق كل محاسبة وكأن الإدارة العمومية ملك لهم ورثوها عن آبائهم. إن ضعف التواصل ينطبق كذلك على قطاع التعليم، فحسب استطلاع منشور على موقع "تربية" التابع لمشروع ألف بوزارة التربية الوطنية، فإن 20 % فقط يظنون أنهم على اطلاع بكل المستجدات والقضايا التربوية والتعليمية أي في تواصل جيد مع الوزارة المعنية.

ضعف الإنصات للشركاء يتجلى كذلك في المبادرات الانفرادية للمصالح المركزية وإصدار قرارات تأتي دائما بنتائج عكسية (الزيادة في الأجور، المخطط الاستعجالي، إعادة فتح مركز تكوين المفتشين، شبكة تنقيط المدرسين، توقيت الامتحان التجريبي....).
وهنا تحضرني قصة شخصية مع إدارة الأكاديمية ترجع إلى سنة 2004 : طلبت لقاءا مع السيد مدير الأكاديمية بعد ملء بطاقة الزيارة وطلب مني كاتبه الخاص الانتظار. انتظرت قرابة ساعة من الزمان وأنا أعتقد أنه في اجتماع هام، لكنه خرج لوحده يتأبط ملفا، فهمس في أذن كاتبه الخاص بكلمات ثم غادر مقر الأكاديمية.

اقتربت من الكاتب الخاص لأسمع منه الرد على طلب الزيارة، فأخبرني أن المسؤول يطلب مني احترام السلم الإداري، فأجبته بعفوية: لماذا لم يستقبلني لمدة 5 دقائق ويقول لي هذا الكلام بنفسه؟

ثم أضاف هذا الموظف الذي ينتمي إلى سلك الابتدائي (مع احترامي للجميع) جملة لا زالت محفورة في ذاكرتي وهي: يا أستاذ، المبرزون عندنا بالعرام!! انسحبت من هذه الإدارة التي يسيرها أشخاص لا يميزون بين الأساتذة والبطاطس، وأنا أحمل شعورا بالغربة والمهانة في إدارتي مستهجنا هذه الممارسة البائدة في العمل الإداري. ولمست المفارقة بين وتيرة الندوات الصحفية (التواصل الظاهر) والتدبير الحقيقي (الحزبي والكولسي). ومنذ 5 سنوات وأنا أحترم السلم الإداري كما قيل لي . التحقت بمؤسستي بحاسي بلال وراسلت الإدارة فكان جوابها دائما: "يؤسفني...".
لكن إدارتي لم تحترم السلم الإداري وهو وسيلة أخرى للتواصل من خلال المراسلات الإدارية والمذكرات الوزارية والنيابية. فالعديد من المذكرات التي تهمني لم تصل إلى مؤسستي عن طريق هذا السلم الإداري المفترى عليه كما أن بعض مراسلاتي لم تصل إلى الأكاديمية ، حتى أن رجال التعليم بنيابة بوعرفة يطعنون اليوم في الحركة الجهوية لتدبير الملفات الاجتماعية والصحية لأن المذكرة لم تصلهم وبالتالي تم إقصاؤهم.

أصبحت الحواجز سميكة بيني وبين إدارتي ولم يبق أمامي إلا القضاء الإداري الذي يعني مزيدا من التشويه لسمعة مدينتي ومزيدا من الانحدار لبلدي في سلم التنمية العالمي. فضلت الصبر في انتظار إصلاح أعطاب السلم الإداري.

أما المسلك الثاني للدفاع عن حقوقي فهو تأسيس نقابة جديدة للمبرزين وتنظيم وقفات وإصدار بيانات وتوقيع عرائض والدخول في مفاوضات وخوض معارك وهذا يعني مزيدا من الهذر في الوقت وفي الطاقة عوض استثمار ذلك في البحث العلمي والانخراط الفاعل في التكوين والتأطير والإسهام في الرفع من جودة التعليم الذي يتغنى بها الجميع. اكتشفت بعد 5 سنوات أن القضية مطبوخة منذ البداية وشممت رائحة السياسة النتنة، وبدا لي أن من وصل بالمذكرة يغربل في لجنة الانتقاء الموالية لحزب المسؤول.

هذا مثال واحد فقط لتعثر عملية التواصل الجاد بين الرئيس والمرؤوس ولا شك أن الإدارة المغربية كلها تعاني من هذه الممارسات تجاه المواطن الذي يرى أن الآخرين يحصلون على امتيازات ويقضون مصالحهم بمكالمة هاتفية واحدة من منازلهم أو بفضل معارفهم ووساطة حزبهم أو قبيلتهم .
المواطن الذي ليس له سند في المصالح الإدارية جهويا ومركزيا يستعمل السلم الإداري المعطوب والمتعب وأصحاب السند (الأكتاف كما يقول عامة الناس) يركبون المصعد الكهربائي السريع والمريح. فكم من قوافل للتواصل يحتاج المواطن ليقتنع أن "التواصل" ممارسة وسلوك قبل أن يكون خطابا وشعارا؟
 

///////////////////////////////////////////////////
بذور العنف في مقرر الفرنسية بالثانوي (2)
 
إن مظاهر العنف المتنامية لدى الشباب المغربي كعودة ‎الموسيقى الصاخبة وتكوين العصابات بغرض أعمال الشغب ينبغي أن تستأثر باهتمام المتخصصين والمهتمين بالتربية. ثم إن تفسير هذه المظاهر العنيفة دائما بالفقر والتهميش والبطالة مجانب للصواب في نظرنا، لأن البحث غالبا ما يهمل المقررات الدراسية التي ينهل منها التلميذ وبالتالي تساهم في تشكيل ملامح شخصيته. وربما لهذا الغرض جاءت فكرة مرصد القيم الذي أسسته وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي وتكوين الأطر سنة 2005 والذي يهدف إلى رصد كل القيم ‏‏المصادمة لثوابت المجتمع المغربي المجمع عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وتأتي العقيدة الإسلامية ‏‏والمذهب المالكي في مقدمة هذه القيم تتلوها قيم المواطنة والديمقراطية والانفتاح والتسامح...وكلما اعتز التلميذ ‏بوطنه ‏وقيمه دون انغلاق أو تعصب كلما كان مؤهلا للمشاركة السياسية والانخراط الإيجابي في مسلسل التنمية، ‏مستعدا ‏للتضحية والعطاء لتحقيق الرقي والازدهار لبلده كما هو الشأن في المجتمعات المتقدمة.انطلاقا من هذا ‏المبدأ أردنا أن ‏نسجل بعض الملاحظات حول مقرر الفرنسية في السلك الثانوي وخاصة في الثانية باكالوريا وفتح ‏النقاش حول ما نعتبره ‏تناقضا صارخا بين الغايات والشعارات من جهة وبين والبرامج والمقررات من جهة أخرى‎.‎‏
إن أستاذ الفرنسية في الثانوي يجد نفسه أمام ثلاث روايات كلها ثورة على الواقع و على قيم المجتمع، فحكاية ‏كانديد ‏لفولتير (ق18) تقوم على خلخلة المسلمات الفكرية ورفض الأفكار الجاهزة وخاصة تلك القناعات التي كانت ‏ترسخها ‏الكنيسة وتنتهي الحكاية باقتناع البطل الشاب بضرورة إلغاء الدين واستبداله بقيمة العمل الدنيوي والإنتاج ‏المادي. وهي ‏دعوة صريحة إلى نبذ الغيب و"الميتافيزيقا" عموما. أما الشاب المتمرد الثاني فهو جوليان صوريل في ‏رواية "الأحمر ‏والأسود" لاستاندال (ق 19) وهو نموذج الشخص الناقم على المجتمع وعلى الطبقة البورجوازية ‏الحاكمة والحالم ‏بالمجد الشخصي ولو كان على حساب أقرب الناس إليه وينتهي به المطاف إلى حبل المشنقة. أما ‏الرواية الثالثة فهي ‏للكاتب المغربية الأصل إدريس الشرايبي (ق20) بعنوان "الحضارة أمي" وهي تتقاطع مع ‏المؤلفين السابقين في قيمة ‏التمرد على الواقع والسخط على المجتمع المغربي المتحجر وتصور أم البطل البليدة وكأنها ‏تعيش في العصر الحجري لدرجة أنها تقدم الأكل لجهاز الراديو معتقدة أنه شخص حقيقي يجب إطعامه!! وهي استمرار لروايته ‏‏الأولى"الماضي البسيط"(1954) التي تنتهي بتبول البطل إدريس على وطنه الأم المغرب وهو في الطائرة في اتجاه ‏‏أوروبا المتحضرة!! هذه الرواية التي اعتبرها النقاد آنذاك طعن في المقاومة الوطنية ومس بالمؤسسة الملكية ‏وبالدين ‏الإسلامي إلى أن جاءت مجلة أنفاس التي أسسها عبد اللطيف اللعبي سنة 1972 لترد بعض الاعتبار للكاتب وتربطه بالتوجه اليساري السائد في تلك ‏‏الفترة‎‏. ‏‎‏
ومن ناحية الشكل ، تلتقي الروايات كذلك في اعتماد أسلوب السخرية اللاذعة والعنيفة أحيانا. الشيء الذي من شأنه ‏أن ‏يذكي لدى التلميذ الإحساس بالقهر والظلم ويجعله يتصور أن الثورة والتمرد هي السلوك السليم للتخلص من ‏التخلف ‏وانتزاع الحقوق من الطبقة الحاكمة. ولاشك أن انتقاء هذه العناوين لهذا المستوى الدراسي حكمته خلفية ‏سياسية ‏واضحة لدى المسؤولين في قطاع التربية الوطنية. وهي إشاعة فكر الحداثة والتنوير والانقلاب على ‏الوضع السياسي ‏الذي أفوز التخلف والظلم والجهل لتحقيق النهضة على الطريقة الأوروبية ، خاصة وأن بعض ‏المتغلمين يتماهى عندهم ‏التاريخ الإسلامي بالتاريخ المسيحي وبالتالي تتقرر لديهم فكرة"اشنقوأ آخر ملك بأمعاء ‏آخر قسيس"! كخلاص دموي ‏من واقع القهر والتخلف‎.‎‏
إن تسرب هذه الأفكار الثائرة في أذهان التلاميذ في المرحلة الثانوية يؤجج في نظرنا فكر التطرف بشقيه الديني ‏‏والعلماني والنتيجة في الحالتين اهتزاز قيم المواطنة والاعتزاز بالذات الجماعية. فإذا كانت نهاية الرواية المغربية ‏هي ‏هروب البطل من الواقع المغربي وشعوره باليأسوالإحباط ولجوؤه إلى فرنسا، ونهاية البطل عند استاندال هي ‏الموت ‏ونهاية كانديد هي القطيعة مع الدين واعتبار الخلاص في الإنتاج المادي، فمن دون شك أن نفس التشاؤم ‏سينتشر عند ‏الأجيال القادمة وبالتالي لن تؤمن بالإصلاح من خلال العمل بالمؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية وسوف تستمر في ‏سلوكاتها ‏العدوانية تجاه نفسها وتجاه مجتمعها في ظل تدهور الوضع السوسيو اقتصادي. فهل تتدارك اللجنة الوزارية ‏المكلفة بالبرامج ‏هذا الخلل باقتراح عناوين أدبية تحمل مضامين أكثر إيجابية وترسخ ثقافة التفاؤل والبناء لا التشاؤم ‏والهدم عند ‏شبابنا؟

////////////////////////////////////////////////////////
من أجل تصالح التعليم مع التربية (3)


من بين الأهداف الواردة في المخطط الاستعجالي ”ترسيخ قيم المواطنة لدى المدرسين والتلاميذ، وضمان سلامتهم وأمنهم داخل المدرسة“ ولن يتم ذلك إلا ب”الانخراط القوي للفاعلين في الميدان لضمان تطبيق الإجراءات المحددة“. وكان على المجلس الأعلى للتعليم برئاسة الأستاذ مزيان بلفقيه أن يستعمل ألفاظا أكثر قوة ووضوح كمصطلح الاستقامة الوارد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو مصطلح التربية أو الصلاح أو الأخلاق عوض كلمة المواطنة التي تحمل أكثر من معنى وقد لا تعني شيئا بالنسبة لكثير من المتعلمين أو حتى المدرسين. ولن ينخرط أحد في شيء لا يفهمه. ولهذا نسمع دائما عبارة"إنهم لا يريدون الإصلاح الحقيقي"، "إن تعليمهم فاشل"، "إنهم يحصدون ما زرعوه"، وكأن الجميع يتبرأ من هذه السياسة التعليمية ويرفض الانتساب إليها. والحقيقة أن الاتجاهات العلمانية واليسارية التي تهيمن اليوم على القطاع وتسيطر على مراكز القرار والتوجيه في مفاصل الوزارة تصر على التغاضي عن أصل المشاكل ومربط الفرس ألا وهو ضمور الجانب التربوي لدى المتعلمين مما ينعكس سلبا على مردودية وجودة التعليم، وتحاول الهروب إلى الأمام بالتستر وراء خطاب ديماغوجي لا يسمن ولا يغني من جوع. والنتيجة ما نشهده اليوم في مؤسساتنا التعليمية من مظاهر العنف والتمرد على القوانين والقيم والغش في الامتحان والميوعة والتحرش الجنسي وتعاطي المخدرات والرغبة في الفرار الجماعي من هذا الوطن. إن بعض الاتجاهات الاستئصالية تلعب بالنار لأنها تحرم جيلا بأكمله من حقه في سلوك قويم وبيئة إيمانية ومحيط نظيف. إن التعليم حاليا يراد له أن يتجرد من التربية والأخلاق ولذلك لن يزيد إلى الأمام قيد أنملة. ولا أدل على ذلك من نتائج الباكلوريا والتي عرفت تدهورا في السنين الأخيرة بأكاديمية الجهة الشرفية . فقد انخفضت نسبة النجاح في نيابة وجدة –أنكاد من 38.60 % سنة 2007 إلى 35,78 % سنة 2008، وفي نيابة جرادة من 40.74 % إلى 34,78 %، وفي نيابة فيجيج من 30.16 % إلى 29,30 %، وفي نيابة الناضور من 53.72 % إلى 45,96 % وفي نيابة بركان من 38.84 % إلى 36,75 %. طبعا هناك أسباب أخرى لهذا التدهور في المستوى ولكن لا أحد ينكر أهمية الجو العام للدراسة على المردودية والتحصيل.

وكلمة "تربية" من حيث مدلولها اللغوي تنتمي إلى الجذر الثلاثي " رَبَ وَ" والفعل منه "ربى" وهو في جميع تصاريفه يدل على معاني النمو والزيادة، يقول الله تعالى:"وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله" (الروم 39) أي ليزيد في أموال الناس فإنه لا يزيد عند الله. وسمي الربا ربا لما فيه من الزيادة على رأس المال.

ويقول الله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" (البقرة276) أي ينمي الصدقات ويزيدها بمضاعفة أجرها. والربوة ما ارتفع من الأرض، وسميت بذلك لما فيها من الزيادة التي بها ارتفعت عما جاورها.

والفعل "ربّى" مضعّف يتضمن معنى التدرج والتعهّد المستمر. ‏وتربية الإنسان بتعهّده بالرعاية بكل ما من شأنه أن يحقق نموه في كل مجالات النمو، وقد ورد ذكر التربية بهذا المعنى في القرآن الكريم؛ يقول الله تعالى على لسان فرعون مخاطبا موسى عليه السلام: " أَلم نربِّك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين؟" (الشعراء18)

ويقول الله تعالى أيضاً: "وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء 24)

أما التربية في اصطلاح التربويين فقد عرّفت بتعريفات كثيرة بينها تقارب وتباعد، وليس هذا مقام تتبع تلك التعريفات، غير أن التعريف الذي أراه مناسبا هو أنها "عملية يتم بها الانتقال بالفرد من الواقع الذي هو عليه إلى المثل الأعلى الذي ينبغي أن يكون عليه". وإسهاما منا في النقاش الدائر اليوم حول إصلاح التعليم، نقترح بعض الإجراءات العملية التي من شأنها تقوية الجانب التربوي والأخلاقي لدى المتعلمين وما المواطنة إلا جزء بسيط من الأخلاق بالمفهوم الشامل الذي نقصده:

*على مستوى الإدارة التربوية:1-تفعيل دور المدرس وإعادة الاعتبار له وتوقيف مسلسل الاتهام بالتهاون والتقصير (المخطط الاستعجالي...). 2-تغليب منطق الحوار والتشارك على منطق النزاع وأخذ الحقوق بالقوة .3-تنظيم جائزة الإبداع الأدبي والفني وتكريم المتفوقين.4-تفعيل جمعيات الآباء لمزيد من الاعتناء بالأعمال الاجتماعية لفائدة التلاميذ.

*على مستوى المؤسسات التعليمية:1-استثمار أكبر لتقنيات التواصل الحديث (منتديات عبر الإنترنت...).2-ملء أوقات الفراغ بما يفيد( تنظيم دوريات في كرة القدم...) 3-وضع برنامج تربوي تثقيفي سنوي وإشراك الجميع في تنفيذه. 4- تغليب خطاب الرحمة والحكمة خاصة مع المراهق. 5-تحبيب المؤسسة للتلميذ: نموذج أطفال غزة (مباشرة بعد انتهاء القصف عاد التلاميذ إلى المدرسة وجلسوا على الرصيف لتلقي دروسهم!) 6-خلق جائزة أحسن سلوك (الجمع بين الاستقامة والتفوق الدراسي) 7-مسابقات بين المؤسسات التعليمية بالنيابة.

*على مستوى مؤسسات المجتمع المدني: 1-استثمار المخزون الثقافي والقيمي لتقوية الذات الجماعية. 2-التوعية بمخططات الهدم (التنصير، التشيع، الشذوذ...) 4-التوازن بين خطاب الحقوق وخطاب الواجبات. 5-دعم الأنشطة التربوية والرياضية والفنية والثقافية داخل المؤسسات التعليمية.
 

//////////////////////////////////////////
مناصب محجوزة للرفاق(4)

تصفحنا مليا مذكرة الترشح لمنصب نائب إقليمي لوزارة التربية الوطنية وحمدنا الله أولا على أن وفق المسؤولين في إيصال المذكرات إلى مؤسساتنا التعليمية النائية وهذا حق بسيط ولكنه تطلب منا سنة كاملة من الصراخ والشكوى… فكرت شخصيا في تكوين الملف وصياغة المشروع الشخصي، لكنني تذكرت أن ملفا سابقا لي اختفى في مكاتب الرفاق بالنيابة الإقليمية بجرادة بتاريخ04/07/2008 !! ثم تساءلت في نفسي: هل يمكن أن أحلم بمثل هذا المنصب في ظل منافسة غير شريفة؟ بالتأكيد هذا مستحيل، لأننا نحن مجموعة من الأطر من أصحاب الشهادات لا نتوفر على الورقة الرابحة أي اللون السياسي المطلوب حاليا والذي بسط نفوذه على كل نيابات الجهة. فقررت إذن التخلي طواعية عن هذا الحق قبل أن تهان الشهادة التي أحملها و قبل أن أجد نفسي أمام لجنة انتقاء (انتقام!) تضم من بين أعضائها خصمي السياسي القديم بجرادة، أيام تأسيس نادي الليونز في صيف سنة 2000!! المتابع في عدة ملفات بوجدة وأحد رموز الفساد في كلية الحقوق. لقد قلنا يومها لذلك المستشار الاتحادي الذي كان يحاول استقطاب أحد الأعيان لتأسيس ذلك النادي مباشرة بعد زيارة كاتب الدولة في الإسكان (القيادي الاتحادي وأحد الرموز الوطنية لهذه المنظمة) بأنهم يراهنون على الوهم والسراب. نبهناه وقتها إلى ضرورة النضال المشترك من أجل تفعيل الاتفاقية الاقتصادية لإنقاذ المدينة ، فلم يبالي لأنه كان “عبدا مأمورا”. فماذا كانت النتيجة؟ حصلت العمالة على مليار درهم فقط والمليار الثاني تبخر في العاصمة. فكانت بعض المنشآت الاجتماعية الصغيرة جدا والتي لا تسمن ولا تغني من جوع. وكان مصير شباب جرادة إما الهجرة السرية أو آبار الموت أو التجنيد في الأجهزة الأمنية. ضاعت المدينة في عهد الرفاق وبقينا نحن نتعفف من المناصب الملغومة إلى يومنا هذا. تبخرت الوعود كما تبخر مشروع الجبن الهولندي. اختاروا النفوذ واخترنا الصمود. أعربنا عن موقف مبدئي واضح وتحملنا التبعات. ورضوا بأن توظفهم السلطة لقطع الطريق أمامنا بجميع الوسائل، فلفظهم الشارع وعاقبهم في الانتخابات الموالية. إن ما يغيظهم اليوم هو أننا واقفون على ثغر صناعة التوجيه، نتمتع بقدر معتبر من المصداقية وكلمتنا مسموعة والحمد لله رغم إمكاناتنا الضعيفة. ولا زال بعض الرفاق النزهاء يحاولون فك خيوط ألغاز ما حدث وهم يتحسرون على دمار المدينة و نهب الغابة وتدمير البيئة. ماذا تريد أكاديمية الظل؟ وعلى أي أساس كان الانتقاء قبل وصول المذكرة الوزارية التي تفتح فرصة التباري في وجه كل أطر الوزارة المغاربة المؤهلين على قدم المساواة ؟ وكيف يفهم هؤلاء “المواطنة” و”الحكامة الجيدة” و”حقوق الإنسان”؟
دعونا نلق نظرة على اللون السياسي السائد في نواب وزارة التربية الوطنية على مدى العقدين الأخيرين في جهتنا الشرقية؟
في إقليم جرادة، ومنذ التقسيم الإداري الجديد سنة 1994، تعاقب أربعة نواب لوزارة التربية الوطنية كلهم محسوبون على حزب الوردة، وفي تاوريرت حل 3 نواب لحد الآن من نفس اللون السياسي ، وقل نفس الشيء بالنسبة لرؤساء مصالح نيابات فيكيك وبركان والناظور ووجدة (بنسبة 90%)، مع بعض الاستثناءات لصالح أعضاء حزب الاستقلال أو الطريقة البودشيشية (نسبة 10% المتبقية). نفس الملاحظة تنطبق على مصالح و أقسام الأكاديمية!! أما حقيبة وزارة التربية الوطنية في الحكومات المتعاقبة، فقد تأرجحت بين حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاتحاد الاشتراكي وبالتالي كانت المناصب الإدارية من نصيب الرفاق المناضلين من هاذين الحزبين ومورس الإقصاء والتهميش في حق الحزب المعارض (العدالة والتنمية) و النقابة المقربة منه. أما حكاية لجان الانتقاء التي تعينها الإدارة، فلا تتمتع بالحياد المطلوب للحسم في الملفات، حيث توزع المناصب في الكواليس وفي المقاهي. وما هي إلا مسرحيات لذر الرماد في العيون ، تماما كحكاية السجاد والمصحف على مكتب السيد المسؤول الرفيق! وآخر دليل، “الوزيعة” التي يتحدث عنها الشارع في مدينة جرادة في موضوع المناصب التي تم الإعلان عنها كمكتب الاتصال ومصلحة الشؤون التربوية. لم يبق لهم إلا أن يستبدلوا يافطة “النيابة الإقليمية للوزارة” ب”الكتابة الإقليمية” لحزبهم العتيد أو يضيفون من ضمن شروط الترشح لتلك المناصب “نسخة من بطاقة الانخراط في حزب الورد أو في نقابة الف.د.ش أو تزكية من الشيخ حمزة” ( الوصفة الأمريكية!). إنه التدبير المتخلف مهما تسربل برداء الحداثة المفترى عليها. فهل عجزت الهيئات السياسية الأخرى الفاعلة في الميدان عن تخريخ الأطر الكفأة؟ ألا يمكن للمسؤولين أن (يخطئوا) يوما ما وينصبوا إطارا واحدا من العدالة والتنمية أو من اللا منتمين والعصاميين النزهاء على رأس إحدى النيابات ولو في منطقة نائية في المغرب من أجل وضعه في المحك واختبار قدراته في التسيير؟ خاصة بعد عجز الأطر المتحزبة الحالية في مواجهة مجموعة من الاختلالات الراجعة في معظمها إلى ضعف تعبئة رجال ونساء التعليم وراء المسؤول المشكوك أصلا في نزاهته وحياده؟
ومع تأسيس الحزب الأغلبي الجديد أو ما يطلق عليه بحزب الدولة في أواخر 2008، سارع بعض المسؤولين في قطاع التربية الوطنية على المستوى الجهوي إلى تغيير لونهم السياسي والارتماء في أحضان الوافد الجديد، أي الرهان على حصان الهمة الرابح دائما ولو على حساب أصحاب الكفاءات!! فكيف يستأمن مثل هؤلاء على مصالح نساء ورجال التعليم ويطلعون على أسرارهم من خلال الملفات التي تمر عبر السلم الإداري ويعبث بها العابثون؟
إن الدستور المغربي يكفل للمدرس حق الانتماء السياسي والنقابي ويمنع المسؤول من إسناد المناصب باعتماد معيار الانتماء الحزبي … إن “الانخراط القوي” للفاعلين التربويين في إصلاح المنظومة والرفع من الجودة كما نص على ذلك المخطط الاستعجال ستظل مجرد شعارات جوفاء مادام إسناد المسؤولية يقوم على الزبونية والمحسوبية والقرابة من المسؤول. إن ما بني على باطل فهو باطل والدليل على ذلك تعثر ملف الحالات الاجتماعية والصحية في نيابة جرادة لحد الآن. لقد حكم القضاء الإداري لصالح زميلنا البشير نكروز ببطلان تلك الحركة من أساسها لأنها لم تكن مؤطرة بمذكرة جهوية بل أشرفت عليها بعض النقابات في جو طبعه التهافت والفوضى والحسد والحياد السلبي للإدارة… وها هي تلك الحالات الصحية والاجتماعية تنتقل إلى الرفيق الأعلى الواحدة تلو الأخرى (رحمهم الله جميعا)، وها هي أغلب الحالات من بوعرفة معتصمة بالأكاديمية التي وقعت في ورطة كبيرة، فما هي استطاعت إرجاع الأستاذات إلى أقسامهن ولا هي استطاعت أن تصدر في حقهن قرارات تأديبية … والخاسر الأكبر هم أعداد التلاميذ الذين قضوا سنة كاملة بدون دراسة في بني تجيت وتالسينت ثم هيئة التدريس التي ستطالب بأعباء أخرى تطبيقا لبدعة المواد المتآخية أو خرافة إعادة الانتشار أو الأستاذ المتنقل بين العديد من المؤسسات ولتذهب الجودة إلى الجحيم… ومع ذلك يستمر السادة الرفاق في التنقيلات خارج التغطية (بدعوى التكليفات المؤقتة)، وآخرها ما تم لفائدة (م . ب) أستاذ التعليم الابتدائي، بالقطيطر و(إ. م) أستاذ التربية البدنية بثانوية ابن سينا الإعدادية بتاوريرت بتاريخ 10 أكتوبر 2010!! وإلحاقات أخرى بمصالح داخل الأكاديمية !! فهل من ضمائر حية ترجع الحقوق المغتصبة لأصحابها وتقدم المصلحة العامة على المصلحة الحزبية؟ هل سينتفض النواب الرفاق ضد رؤوس الفساد أو على الأقل يهددون بالاستقالة كما فعل نائب الحسيمة سابقا الذي كانت له الجرأة للتصويت ضد الحساب الإداري للأكاديمية والتضحية بمقعده، أم أنهم سيرضون بدور “العبد المأمور” ويلطخون سمعتهم ويجهزون على ما تبقى من مصداقية حزبهم؟
تلكم بعض الأسئلة لمن يبحثون عن الإصلاح بعيدا عن مكمن الداء، ويصمون آذانهم عن الأصوات التي بحت في المطالبة بتحرير التعليم بالجهة من الكولسة وعقلية الحزب الوحيد. ولن تتغير الأمور بتغير المسؤول فقط، بل باعتماد مقاربة قائمة على العدالة والنزاهة وتغليب المصلحة العامة والاستفادة من كل الطاقات التي يزخر بها القطاع وإرجاع الهيبة للإدارة التربوية.

/////////////////////////////////////////
المطلوب لجنة وزارية لافتحاص الأكاديمية بوجدة(5)


لا زالت إدارة الأكاديمية بالجهة الشرقية في قلب الحدث ، بل هي صانعة الحدث بامتياز. لكن عن أي حدث يتحدث الرأي العام؟ إنها أخبار العزل والإعفاء والشطط والوقفات الاحتجاجية والمحاكم الإدارية وأيام الغضب والمصائب التي تتناسل باستمرار وتشوش على تنفيذ مشاريع الإصلاح وتشكك في جدية المسؤولين. فمنذ تعيين السيد محمد بنعياد على رأس هذه الأكاديمية وقطاع التعليم بالجهة يتصدر صفحات الجرائد المحلية والمواقع الإلكترونية. ورب قائل: إن المسألة محصورة في بعض الأقلام الغاضبة أو المتحاملة من أسرة التعليم لأسباب شخصية وإن الأمور الأخرى كلها على أحسن حال. ويحاول البعض الآخر قراءة المسألة بنزوع الصحافة نحو التهويل والبحث عن الفضائح والإثارة وطغيان خطاب التشكي وغياب الموضوعية في التعاطي مع الأخبار والأحداث التي هزت أركان الأكاديمة. لكن هذه المرة يأتي حدث إعفاء الأستاذ محمد يوسفي من منصبه بمركز الموارد البيداغوجية على خلفية نشره لقصيدة شعرية بالفرنسية فهم منها السيد بنعياد بأنه هجاء لشخصه واعتبر ذلك إساءة لهيبة الأكاديمية . هذا الحادث جاء ليذكر الجميع بحادث إعفاء مماثل كان ضحيته الأستاذ مولاي الطيب الرمضاني رئيس مصلحة الامتحانات سابقا لسبب تافه جدا وهو الاستعجال في الدخول على سيادة المدير من أجل توقيع وثائق مستعجلة. هذا الحادث فهم منه السيد المسؤول بأنه سوء أدب وانتقاص من قيمته وإهانة للمؤسسة التي يمثلها. فمن الحكامة الجيدة “إخراج الذات من الموضوع” والاستفادة من الصحافة ومن النقاد ومن الشعراء ومن كل صانعي الرأي العام بدل استعمال السلطة لإسكات الجميع ومحاولة الهروب إلى الأمام. إن الحكامة التي لا يفتأ مدير الأكاديمية من تكرارها تعني باختصار عدم استبداد أي سلطة بالقرار وإشراك مختلف الفاعلين والشركاء ثم تعني الاحتكام للقانون لا للأهواء. ألم يكن السيد بنعياد أول مسيء لهيبة الإدارة في تلك الفضيحة الأخلاقية المعلومة؟ ألم يخرج موظفو الأكاديمية في وقفة تضامنية معه وإصدار بيان يتهم ضمنيا “جهات أمنية” (!!) تكون قد ضغطت عليه من أجل بعض الانتقالات المشبوهة؟ وبذلك رهن السيد المدير مؤسسة الأكاديمية بمشاكله الشخصية المحضة. ألم يعف السيد مدير الأكاديمية المسؤول عن محو الأمية ليضع مكانه المسؤول السابق عن مكتب الاتصال؟ ألم يتسبب خطأ مهني للسيد المدير في زوبعة من الاحتجاجات والغليان في قضية الحركة الجهوية أو ما سمي بتدبير الحالات الصحية والاجتماعية؟ إذ لم يصدر مذكرة منظمة وترك الأمور في يد النقابات التي نسيت أن تخبر نيابة بكاملها وهي نيابة فيكيك؟! مما ترتب عنه اعتصام لمدة سنة ل 12 أستاذة وضياع التلاميذ في العالم القروي. ألم يوقع على انتقالات زبونية و خارج كل تغطية لفائدة أستاذين من نيابة تاوريرت (انظر جريدة الحدث الشرقي) ؟ وظلت النقابات ساكتة إلى يومنا هذا كما ستظل ساكتة في قضية الأستاذ الشاعر يوسفي لأسباب ذكرنا بعضها في مقالات سابقة. لماذا ظل منصب رئيس قسم الشؤون التربوية فارغا لمدة سنة دراسية كاملة؟ لماذا لم يتحرك لفتح تحقيق في اختفاء ملف ترشيحي لتدريس مادة اللغة الفرنسية والتواصل بثانوية المغرب العربي بوجدة وأسند المنصب لأستاذة أخرى غير مبرزة من نفس المؤسسة؟؟؟ مما جعلني أفقد الثقة في الأكاديمية وأعرض عن تقديم ترشيحي لمناصب أخرى. ناهيك عن قضية تزوير نقط الأستاذ طيب زايد من بركان والأستاذ أحمد أولاليت من جرادة، فاللعبة أصبحت واضحة: “خطأ” في احتساب النقط يفضي إلى انتقال أحد “المقربين” إلى وجدة عوض صاحب الحق من المنصب، وفي حالة احتجاج المعني بالأمر يستفيد هو كذلك من الانتقال بعد أن يتمم السنة الدراسية في منصبه ولا يتم إرجاع “الرفيق” المحضوض إلى منصبه الأصلي!!
كل هذه الأخطاء كان لها أثر سلبي ليس فقط على هيبة الأكاديمية بل على سمعة كل أسرة التعليم بالجهة الشرقية. إن هيبة أي إدارة مرتبطة بالأساس بمصداقية المسؤولين عنها وكفاءاتهم ونزاهتهم وحيادهم وابتعادهم عن كل الشبهات والفصل بين الأمور الشخصية والأمور المهنية كما هو الشأن في الدول التي تحترم نفسها.
إن “النفاق” الذي تحدث عنه الأستاذ يوسفي شعرا ، سبق وأن أشار إليه نثرا الأستاذ محمد حومين لما لا حظ خلال المجلس الإداري الأخير بتاوريرت بأن ممثل الآباء ينتقد ويصرخ ويزبد ويرعد بأسلوب مليء بالأخطاء اللغوية، ثم يصوت ويصفق بحرارة لصالح ميزانية ومشروع الأكاديمية ، ونفس الشيء قاله معظم الصحفيين خلال مأدبة الغذاء واستنكرت شخصيا في مقال سابق كون السيد المدير يرفض استقبالي ويطلب مني احترام السلم الإداري ولما أراسله عن طريق الإدارة يرفض الرد على مراسلتي ويرفض الرد على رسالتي المفتوحة في وسائل الإعلام. والأستاذ محمد شركي كتب الكثير في نفس الموضوع أي التناقض الصارخ بين القول والفعل عند بعض المسؤولين عن القطاع. إن أهل الشرق يتميزون بخاصية الصراحة والامتعاض من اللف والدوران ولا يعرفون لذلك اسما غير “النفاق”. وهم أشد الناس غيرة على قطاع التربية والتعليم والقيم والأخلاق وبالتالي ليس من مصلحتهم التحامل على مؤسسات التعليم وخاصة إذا كانوا ينتمون إليها. وهذه نقطة قوة يجب على المسؤول الجديد أن يستثمرها لحفز الجميع على الانخراط في مشروع الإصلاح كما ينص على ذلك المخطط الاستعجالي والذي يوليه جلالة الملك نصره الله عناية كبيرة جدا.


//////////////////////////////

البرنامج الاستعجالي بين الجهل والتجاهل (6)

إن الأهداف والغايات المسطرة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق تفعيله منذ سنة 2000 تعبر عن انتظارات ومطالب كل المجتمع المغربي لأنها جاءت إثر توافق جميع حساسيات المجتمع المغربي وأشرف على ذلك العمل الجبار الأستاذ المرحوم مزيان بلفقيه . إلا أنه و بالرغم من إشراف العشرية الأولى للإصلاح على نهايتها، لا حظ الجميع البون الشاسع بين ما سطر من أهداف، وبين النتائج المحققة على أرض الواقع. وفي هذا السياق، تفضل جلالة الملك محمد السادس، في خطابه الافتتاحي للدورة التشريعية لخريف سنة 2007، بإعطاء تعليماته السامية للحكومة الجديدة لبلورة برنامج استعجالي، يتغيى تسريع وتيرة إنجاز الإصلاح خلال الأربع سنوات المقبلة (أي من 2009 إلى 2012).
وبعد مرور السنة الأولى من هذا البرنامج، صرح أحد المسؤولين عن قطاع التعليم بالجهة أثناء الاستعداد لتنظيم الأيام التواصلية الجديدة حول المخطط الاستعجالي منذ أسبوعين بأن: "رجال التعليم هم أجهل الناس بالمخطط الاستعجالي". ويفهم من هذا أن التعليم عندنا يعيش فعلا قطيعة غير مسبوقة بين الرأس وباقي الجسد، أي بين الإدارة التربوية (مصالح مركزية، أكاديميات، نيابات إقليمية) والفاعلين المباشرين (هيئة التدريس وهيئة التفتيش). مشكل التواصل هذا بين القمة والقاعدة أفردنا له إحدى مقالاتنا التحليلية السابقة... والحقيقة أن المسؤول الأول عن تنزيل هذا البرنامج بمجالاته ومشاريعه هم مدراء الأكاديميات ثم النواب الإقليميون ثم باقي المسؤولين في الإدارة التربوية، وفي نهاية المطاف يأتي دور رجال ونساء التعليم الذين يعتبرون أدوات تنفيذ للمشروع برمته ويمكن أن يضطلعوا بأدوار ريادية إذا أشركوا في القرار وإذا أعطيت صلاحيات حقيقة لمجالس التدبير عوض أن تبقى جمعيات مدرسة النجاح هياكل صورية فقط بحيث لا يتم صرف أي سنتيم إلا بموافقة النيابة الإقليمية! إن ما كتب حول البرنامج الاستعجالي في الإعلام الوطني بالإضافة إلى اللقاءات التي نظمت السنة الماضية في المؤسسات التعليمية، كل ذلك كاف لأن يتملك المدرس أهم مجالات ومشاريع هذا البرنامج. ومن المفروض أن تكون كل فئة على الأقل على دراية تامة بالأمور المتعلقة بمجال اختصاصها وحدود مسؤولياتها. ولكن الأمر في نظرنا يتعلق ب"تجاهل" وليس ب "جهل"، أي أن المدرس يسمع جعجعة ولا يرى طحينا، يسمع عن "الحكامة" ولا يراها في مؤسسته ولا في محيطه ، يخطط لمشروع المؤسسة وحين يصل إلى الاعتمادات يتدخل مفتش المالية ويوقف كل شيء... إن المسألة متعلقة بالتطبيق والتنزيل والأجرأة وليس بمجرد الاطلاع والمعرفة أو حتى الحفظ عن ظهر قلب. إن تنزيل البرنامج الاستعجالي عرف تعثرا بجهتنا الشرقية وخاصة فيما يتعلق بالهدف الثالث: مواجهة الإشكالات الأفقية لمنظومة التربية والتكوين والذي يتضمن 7 مشاريع لا بأس من التذكير بها في هذا المقام، وهي:
تعزيز كفاءات الأطر التربوية (e3.p1)، تعزيز آليات التأطير والتفتيش بالتعليم المدرسي (e3.p2) ترشيد تدبير الموارد البشرية (e3.p3)، الحكامة والتخطيط ومقاربة النوع (e3.p4) تحديث وتحسين منظومة الإعلام (e3.p5)، دعم التحكم في اللغات (e3.p6) ثم وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه (e3.p7).

فإذا أخذنا مثلا المشروع الأول المتعلق بتعزيز كفاءات الأطر التربوية، نجد أن الوزارة عمدت إلى التوظيف المباشر لحاملي الشهادات، أي من الجامعة إلى القسم، وبعضهم توقف عن الدراسة لمدة 10 سنوات! وهذا عين الارتجال والعبث لأن التدريس مهنة وحرفة وفن وكل ذلك يستدعي التمكن من مهارات متعددة كتنشيط المجموعات وتدبير الزمن الدراسي والتخطيط للتعلمات وتقويمها والتعامل مع الحالات الطارئة داخل القسم وحسن التصرف مع المراهق وتملك أبجديات علم النفس التربوي.
وفي مجال التكوين المستمر، ومن باب الإنصاف، نسجل بعض النتائج المهمة التي تحققت في عهد المسؤول السابق عن المركز الجهوي للتكوين المستمر، ولكن تعيينه على رأس نيابة جرادة أجهض المشروع وانطفأت جذوته في انتظار البحث عن قائد آخر يستأنف العمل ويلقى القبول بسلوكه التربوي السمح وسعة صدره وتواضعه.
أما التكوين المندمج أي اللقاءات التربوية التي كان يسهر عليها المفتشون بشكل راتب داخل المؤسسات، فقد أصبحت من ذكريات الماضي في غياب حوار جدي مركزي مع هذه الفئة... ويفاجأ الأساتذة في الأسبوع الثاني من ماي من هذه السنة باستدعاءات لحضور الدورات التكوينية، وبعضهم أخرج من القسم ليلتحق بالتكوين أمام استغراب التلاميذ الذين يريدون إنهاء المقرر. وهذا عبث آخر لأن المذكرات تؤكد على برمجة التكوين في العطل البينية! وهو عمليا تحريض على الانقطاع المبكر.
وفي المشروع الثالث في هذا المجال أي "ترشيد تدبير الموارد البشرية"، نسجل ما يلي:
-خصاص كبير في أساتذة الفرنسية ثانوي تأهيلي داخل وجدة (9 أساتذة في السنة الماضية)، تم سده بمدرسي الابتدائي الذين غيروا الإطار دون أدنى تكوين في التعامل مع المقررات وأساليب التقويم في التأهيلي ودون الاطلاع على الأطر المرجعية لامتحانات الباكلوريا ... وهذا ترقيع لا يحقق الجودة المطلوبة.
-في نيابة جرادة مثلا، يشتغل بعض أساتذة الثانوي 08 ساعات في الأسبوع بينما يشتغل آخرون 20 ساعة أسبوعية أي 04 ساعات في اليوم وإذا أضفنا إليها 03 ساعات في التنقل إلى مقرات العمل يصبح عدد الساعات 07 في اليوم بالإضافة إلى الأشغال الأخرى في البيت كالتحضير والتصحيح، مما ينعكس سلبا على المردودية والجودة.
-هذا الإرهاق والشعور بالغبن الذي يتعرض له رجل التعليم يسبب له بعض الأعراض مثل توتر الأعصاب والضغط أو الانطواء... وتكون الكوارث التربوية بجميع المقاييس، دون الحديث عن "استغناء" الأكاديمية عن جهاز التفتيش وأطر المراقبة التربوية وعدم التفاوض الجدي مع هذه الفئة لتعود إلى مهامها التي لا ينكرها إلا جاهل أو متآمر على منظومة التعليم برمتها. والنتيجة ترك الحبل على الغارب وآخر المهازل ما حدث في الامتحان التجريبي بنيابة جرادة حيث وزعت مسودات الأساتذة على التلاميذ بأرقام تأجيرهم وبعناصر الإجابة أحيانا (مادة الفرنسية بثانوية الزرقطوني ومادة الإنجليزية في ثانوية جابر بن حيان)، وسخر التلاميذ من موظفي النيابة و من الأساتذة الذين عبئوهم لمدة شهر على ضرورة التعامل "الجدي" مع الامتحان التجريبي عوض التوقيع والخروج بعد ربع ساعة، وضاع أسبوع من الدراسة والتلاميذ في أمس الحاجة إلى إنهاء المقررات.
-الخصاص المهول في أطر التدريس بنيابتي الناظور وفيكيك حيث بقيت أقسام بدون مدرس لمدة سنة كاملة مما خلف الغليان الحاصل في هذين النيابتين لدى هيئة التدريس ولدى الآباء والأولياء وكل الشركاء والمنتخبين الذين تستدعيهم الأكاديمية لحضور مجالسها الإدارية كل سنة وتطالبهم بدعم المدرسة الوطنية!
-التطبيق الحرفي (الانتقامي) للمذكرة 60 والتي تنص على "حصة كاملة لكل أستاذ" أفرغ الأندية من المؤطرين وأجهز على الأنشطة الإشعاعية ونسف دروس الدعم التي كان يتطوع بها الأساتذة.
أما موضوع الحكامة، فقد تحدثنا فيه سابقا وقدمنا من القرائن والوقائع ما يكفي للتفكير في انتفاضة حقيقية لاجتثاث بعض العناصر التي عششت في أركان الأكاديمية وفي النيابات التابعة لها. ولا نبالغ إذا قلنا إن الإدارة التربوية في الجهة قد تحولت إلى شبه إمارة أو دويلة معزولة عن واقع المؤسسات التعليمية بعدما تقوت شبكة المتملقين والمصلحيين. وأصبح لإدارة الأكاديمية أمن خاص ومخابرات خاصة وجريدة خاصة تزين مكاتب المصالح والأقسام، وهي مصابة بعمى الألوان، لا ترى إلا منجزات وملاحم السيد المسؤول الجهوي. وأصبح هذا المسؤول يكتفي بالتعليمات "أريد كذا" و"لا أحب فلان"... وتتكلف الأجهزة الأخرى بالباقي، على طريقة التنظيمات المحورية الموغلة في السرية.
لنقارن الآن كل هذا مع هذه التوجيهات الواردة في مقدمة البرنامج الاستعجالي :
"يقتضي إصلاح المنظومة إرساء ثقافة التدبير المرتكز على النتائج والتعاقد والمحاسبة، واعتماد نهج تدبيري حديث يضمن تحديد الأهداف وصياغتها بدقة ووضوح، وتحديد المسؤوليات، وتسطير برامج عمل محددة للمسؤولين ومنحهم وسائل بلوغ وقياس الإنجازات، وتبادل المعلومات، على مختلف المستويات (...) .ويعتبر عامل السرعة في إحراز نتائج ملموسة، عنصرا حاسما للحيلولة دون تعثر المشاريع، وفقدان الحافز لدى الفاعلين والمستفيدين. ومن شأن الفعالية والسرعة في إنجاز المشاريع. أن تؤدي، إلى إضفاء مصداقية أكبر للبرنامج مع الشركاء، وبالتالي ضمان التزامهم، ودعمهم لإنجاز مشاريع البرنامج الاستعجالي. وتحقيقا لهذه الغاية، سيعتمد تنفيذ البرنامج الاستعجالي، على نهج مبتكر، يشكل قطيعة مع الممارسات السابقة، ويقوم على بلورة مقاربة جديدة، تتلخص أهم مقوماتها كالتالي:
القيام بتعبئة اجتماعية حول المسألة التربوية / المصاحبة/ تشجيع سلوك التغيير بإشراك واختبار مختلف المتدخلين .المنهجية /مقاربة مختلفة كلية تقوم على منهجية المشروع. " (انتهى)
وهذه القطيعة مع الممارسات السابقة لن تتم في نظرنا إلا بالقطيعة مع بعض الوجوه المسؤولة عن الأزمة الحالة والتعامل الجدي مع ما يقدمه الإعلام الحر من معطيات حول هذه الاختلالات. ونختم بمشهد عايشناه كرجال إعلام بإحدى النيابات بالجهة الشرقية أثناء زيارة السيدة الوزيرة يومي 16 و17 نوفمبر 2009، ذكرني بلقطات من المسرحية الهزلية "وجهة نظر" للفنان المقتدر محمد صبحي: يقود المسؤول السيدة الوزيرة والوفد المرافق لها إلى أجمل وأنظف مؤسسة وتفرش لها الزرابي وتلقى في حضرتها قصائد المدح وتقدم لها الهدايا والعطايا بطريقة فجة حتى تحرج أشد الإحراج أمام أعين وعدسات الصحفيين ويتم اللقاء في جو من المجاملات المتبادلة... في حين واقع التعليم الحقيقي في هذه المدينة يوجد في مؤسسة أخرى مجاورة، كانت إعدادية وتحولت إلى ثانوية، لا تتوفر على مختبرات للعلوم وتعرف أعلى نسب الاكتظاظ و سقوف الأقسام كلها مهترئة ووضع التلاميذ كارثي. إنها ممارسات قديمة جدا جدا، لا تشرف العهد الجديد وتتناقض تماما مع طموحات وانتظارات المغاربة.

/////////////////////////////////////////
هل محمد بنعياد فعلا رجل الرهانات الصعبة؟ (7)


(ملحوظة : هذا المقال رفضت مجموعة من المنابر نشره بدعوى أنه يحتوي على عبارات القذف في حق مدير الأكاديمية ؟؟ (والحكم للقارئ الكريم)

خصص زميلنا عبد السلام المساوي أستاذ الفلسفة ومدير جريدة "الجهة الشرقية" صفحتين كاملتين من عدد مارس لتلميع صورة مدير الأكاديمية الذي وصفه في الصفحة الأولى ب"رجل الرهانات الصعبة". مقالات العضو السابق للمجلس الإقليمي للاتحاد الاشتراكي تقفز على حقيقة واقع التعليم بالجهة الشرقية وتجعل المواطن البسيط يشك في مصداقية كل الأقلام التي تتميز بالغيرة على المنظومة التربوية والتي تجمع على وجود اختلالات كبيرة في تدبير شؤون الأكاديمية وتنتقد السلوك الانفرادي للسيد محمد بنعياد. وأكبر دليل توالي الوقفات الاحتجاجية لهيئة التدريس وهيئة المراقبة التربوية بمختلف الانتماءات النقابية والتهديد بمقاطعة الامتحانات، ناهيك عن القضايا المعروضة على المحاكم الإدارية ضد السيد بنعياد. الشيء الذي يعيد طرح سؤال العلاقة بين التعليم والإعلام الذي تناوله بشكل رصين الأستاذ عبد العزيز قريش، حيث استعرض أهم الصفائح التي تجسر العلاقة بين الحقلين: التعليم والإعلام. إلا أن الصفيحة الغائبة في نظري المتواضع هي علاقة "الاحتواء" أو "الشراء" في حالة الجهة الشرقية ، وذلك بغرض التدليس على الحقائق وتلميع صورة المسؤول الأول عن الإدارة التربوية من خلال سعي هذا الأخير إلى اعتماد أساليب الترغيب مع الزملاء المؤيدين (المناصب، الحظوة عند المسؤول...) أو الترهيب في حق الزملاء المنتقدين (الإقصاء والشطط في استعمال سلطة الإدارة والإجهاز على الحقوق ). والغريب في الأمر أن الجريدة المعنية توضع على مكاتب ومصالح الأكاديمية وكأنها منبر إعلامي أو نشرة خاصة بإدارة الأكاديمية التي من المفروض فيها أن تكون إدارة عمومية لكل المواطنين ومفتوحة في وجه كل المنابر الإعلامية دون تمييز، مما يستدعي تحقيقا في مسألة تمويل مثل هذه الصحف وعلاقة ذلك بالمال العام. هذا يعني كذلك أن أي مسؤول يمكنه أن يستغني عن السلطة الرابعة بأبواق مدعومة كما يمكنه أن يستغني عن الفرقاء الاجتماعيين بنفر من الوصوليين وأصحاب المصالح الخاصة ويمكن أن يستغني عن المقاولات الوطنية بمقاول وحيد يفوز بجميع الصفقات وإن اقتضى الحال التضحية بالمصلحة العامة أو تعليق المشروع برمته. لا داعي لعقد اللجان الموسعة لأن اللجان الخاصة والمستشارين المقربين يمكنهم تدبير شؤون القطاع بنجاح من خارج أسوار الأكاديمية! وهكذا يتم ضرب الحكامة الفعلية بحكامة صورية و تبقى الكلمة الأولى والأخيرة ل"رجل الرهانات الصعبة"، عبقري زمانه ووحيد قرنه. وتستمر الاختلالات البنيوية وينهج المسؤول سياسة صم الآذان والهروب إلى الأمام والحرب المفتوحة مع كل الفرقاء والشركاء والمرؤوسين مادامت الصحافة "الموالية" لا ترى إلا المنجزات الوهمية والانتصارات الدنكشوتية للسيد المسؤول ولا تساعده على رؤية الحقيقة وتجاوز الأخطاء. يقول السيد المساوي بصيغة التعميم "فجميعهم (أي نساء ورجال التعليم) يعاينون المنجزات التي انتقلت من التصور إلى الميدان" و "لم يعد هاجس اليأس موجودا بل حل محله التفاؤل ". بل يتهم الانتقادات الموجهة لمدير الأكاديمية ب"المزايدات المشبوهة والأنانية والمدمرة" ويوظف الآية الكريمة "والله خير الماكرين". هؤلاء المنتقدين الذين أزعجهم نجاح بنعياد "راحوا يختلقون حكايات من نسج الخيال طمعا في تدمير الرجل"، في إشارة إلى فضيحة الشذوذ الجنسي التي عرفت بقضية تيريزا وكأن التفاصيل الدقيقة التي تناولتها كل الصحف المحلية كانت من نسج خيالها. وكأن الإهانة التي تعرضت لها أنا شخصيا على يد السيد المدير مجرد خيال أو حلم، وكأن المراسلة التي اختفت والمنصب الذي ضاع مني بثانوية المغرب العربي مجرد أوهام وهراء!! يشيد السيد المساوي بالتشبث الحرفي للسيد المدير بالقانون. والحقيقة عكس ذلك تماما، فلو فرضنا أن كل من تعرضوا لشطط أو تعسف الأكاديمية رفعوا دعوات أمام القضاء الإداري وطالبوا بالتعويض لأفلست وزارة التربية الوطنية!!
ثم يتحول أستاذ الفلسفة والعقلانية من الحديث عن "التدبير البنعيادي الديكارتي" إلى شاعر ملهم ليصف بنعياد بتعابير مثل"يا جبل ما هزك الريح"، "حمل في صدره كبرياء القمم وإصرار الأنهار"، "رجل متكتم، يعي جيدا مسؤولياته ويعالجها بالهدوء اللازم "، "أنيق خلقا وخلقا"، "يكره الثرثرة ولغو الكلام"،"مربي ولا ينس أنه مدير، مدير ولا ينس أنه مربي، مستعد ليخسر كل شيء إلا كرامته"، "يتكلم وهو يفكر، يفكر وهو يتكلم"...
هذا الكلام لا يخلو من سفسطة وتملق مستفز، لا يليق بصحافة تحترم نفسها وتدعي الدفاع عن حقوق المواطنين وممارسة الرقابة على المرفق العام، و يضرب في العمق مصداقية الإعلام الجهوي الحر المستقيل ويشوش على الأقلام المواطنة التي لا تحابي أحدا... ويكفي أن أشير مثلا إلى المقالات الجريئة والمفعمة بالغيرة على هذا الوطن عموما وعلى واقع التعليم خصوصا للشاب الصحفي المرحوم الشيخ مبطيل. كان رحمه الله وهو لا يزال في بداية الطريق يعرف أن الصحافة مسؤولية وعمل يتطلب جهدا كبيرا. فكان يطالعنا بتحقيقات ميدانية حول "اختفاء القاصرات بإعدادية الجاحظ" مثلا، وعن الشذوذ الجنسي وعبدة الشيطان بثانوية المهدي بن بركة وزيري وعبد المومن وانتشار القرقوبي في صفوف التلاميذ وكان يعد لتحقيق صحفي عن سكان حي برحمون بوجدة قبل وفاته رحمه الله. يتصل بالتلاميذ ويستجوب الأمهات ويزور إدارات المؤسسات قبل أن يقدم مادته الإعلامية للقراء. وختم إحدى مقالاته بهذا الدعاء "اللهم ثبتننا على دينك حتى نلقاك يا رب" .وكنا نحمد الله حين نسمع أن السيد والي الأمن بوجدة أمر بحملة تمشيط في الأماكن التي أشارت إليها الصحافة المحلية ولحماية التلاميذ عند أبواب المؤسسات. أما السيد بنعياد فلسان حاله يقول: "أكتبوا أو لا تكتبوا أيها المغاربة فأنا لا أقرأ إلا جريدتي المفضلة، ويكفيني فخرا شهادة السيد الحبيب المالكي الوزير السابق بأنني "نجحت في الامتحان" ويكفيني شرفا أنني حصلت على وسام الاستحقاق من درجة فارس من الدولة الفرنسية"!!.
//////

هلوسات رجل تعلم يشكك في شعارات الجودة (8)



من ركائز الحكامة الجيدة محاسبة المسؤولين ومساءلتهم من قبل المجتمع. و لقد لمسنا في لقاء اللجنة الولائية في 25 نوفمبر انتقادات صريحة جدا من مختلف المصالح الخارجية لمدير الأكاديمية الذي قدم حصيلة اعتبرها إيجابية. فباستثناء ممثل مجلس الجهة الأستاذ مرسلي و هو نائب سابق بنيابة تاوريرت، كل المداخلات شككت في تطابق الأرقام المعروضة مع واقع التعليم بمختلف أقاليم الجهة. لأول مرة أسمع ممثلي السلطة يتكلمون بصراحة كبيرة تعكس نبض الشارع و يتجنبون لغة الخشب واسطوانة "العام زين" ويضعون الأصبع على مكمن الخلل ويحددون المسؤوليات ويقترحون الإجراء الناجع بتركيز شديد. لقد لمست شيئا من المفهوم الجديد للسلطة وحمدت الله أنني لست الوحيد من يقول إن أمور التعليم ليست على ما يرام. و قلت في نفسي: ماذا لو تقوم وزارة الداخلية بتعيين ضابط أو عامل من هؤلاء على رأس الأكاديمية ؟ الضباط أكثر انضباطا و أقل ديماغوجية !

نعم، من حق المجتمع أن يتساءل: ما هي القيمة المضافة للأكاديمية بالجهة الشرقية؟ هل تطور التعليم أم تدهور خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة؟  تساؤلات ما فتئت الصحافة النزيهة والأقلام الغيورة تطرحها وتحاول تلمس سبل الإقلاع بالقطاع علها تسعف القائمين على أمر التربية. و من حق المجتمع أن يسائل المسؤولين عن التعليم، لأن الدولة ترصد له ميزانيات ضخمة، ناهيك عن الشراكات الوطنية والدولية. ماذا حقق مشروع ألف؟ هل اكتفى بجمع المعطيات والتقارير وتسليمها للجهات المعلومة؟ أم تحققت فعلا مواءمة التعلمات مع الواقع ومع سوق الشغل؟ ماذا استفدنا من الشراكة مع حكومة الأندلس؟ هل تمكن تلاميذنا من إتقان اللغات وخاصة الفرنسية بعد ما فرضت فرنسا على أبنائنا مقرراتها التعجيزية؟ لماذا ينجح تلاميذ مدرسة البعث في الباكلوريا بنسبة 100% ؟ ولماذا لا تتجاوز النسبة 40 %  في باقي الثانويات؟

في بداية العشرية، كانت الأطر التعليمية تبادر وتؤسس الجمعيات وتعقد المنتديات الوطنية و الجهوية والأيام الدراسية رغم قلة الإمكانات. كانت حركية حقيقية في المجتمع الأهلي بقيادة  أصحاب الغيرة الوطنية. لم يكن يحركهم الأورو ولا الدولار ولا الطمع في المناصب العليا، بل كانت قضية مصير الأجيال هي التي تجمعهم و تعبئهم باستمرار. وكلنا يتذكر أشغال المناظرة الوطنية بنيابة وجدة حول "مستقبل التربية والتعليم" سنة 1999 بمشاركة إدريس الكتاني و مصطفى الأمراني وعبد المجيد بنمسعود. كانت الكلمات نابعة من القلب و متحرقة على موضوع التربية والتعليم باعتباره رافعة للتنمية الحقيقية، تنمية الإنسان قبل الجدران. كانت التعبئة سهلة وكان الانخراط تلقائيا من جميع نساء و رجال التعليم. كانت الهموم مشتركة و الرؤية واضحة وكانت الكفاءات العلمية والشواهد العليا والخبرة في الميدان هي الفيصل في إسناد المناصب. و كانت الأنشطة الإشعاعية لا تفتر في المؤسسات التعليمية.  لكن الأمر تغير تماما مع هبوب ريح العولمة و تعدد الشركاء وإقصاء النزهاء. فكانت المغادرة الطوعية أهم وسيلة للتخلص من دعاة مشروع الإصلاح بمفهومه الأصيل. و في دجنبر من سنة 2005، نظمت الأكاديمية نشاطا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، فحضرت وجوه غير الوجوه السابقة، وفي مقدمتهم سيدات النادي المعلوم. كان الأستاذ محمد أبو ضمير في استقبال الضيوف. سلم على الأستاذ محمد العبادي وسأله عن أحواله و عن أحوال الأستاذ محمد الحمداوي. وبعد الكلمة الترحيبية لمدير الأكاديمية السابق، تناوب على المنصة متدخلون من كلية الحقوق شددوا على المطالبة بالمرجعية الكونية وتجاوز الخصوصية الثقافية و إرساء ثقافة الحرية والتسامح، و نددوا بإحداث شعبة الدراسات الإسلامية التي أفرزت صحوة مقلقة، و استنكروا التضييق على مادة الفلسفة ! فكانت الرسالة واضحة. لاحظت الأستاذ محمد العبادي ينسحب من القاعة، ثم نظرت إلى مقعد الأستاذ عبد المجيد بنمسعود فإذا به فارغا.

من يومها، تحرك أصدقاؤنا في الخارج، وفتحوا العديد من الدكاكين الاجتماعية والتربوية والحقوقية... كانت الجمعيات تولد وفي فمها ملعقة من ذهب كما يقال. فبدأ تأطير الشباب على قيم الحداثة وحقوق الشواذ، وظهرت فرق الهيب هوب وعبدة الشيطان ، وانتشرت الميوعة في أبواب المؤسسات التعليمية و في الحرم الجامعي. وانتهى الأمر بالإفطار في رمضان ! وترقى رواد هذه الأندية في المجتمع و تقلدوا أعلى المناصب، وبقي دعاة الأخلاق و النزاهة و الحكامة في الهامش، ينددون ويشجبون ويصرخون، "منهم من قضى نحبه، ومنهم ينتظر، وما بدلوا تبديلا". الحصيلة إذن جد إيجابية من منظور شركائنا في الضفة الشمالية للمتوسط (بيلون بوزيتيف). وهي كارثية في نظر المجتمع المغربي بكل مكوناته بالنظر إلى تزايد البطالة وتدهور مستوى المتعلمين المعرفي والأخلاقي واستقالة الآباء وعزوف الأساتذة. تحولت ساحة الأكاديمية إلى ربوة زاهية الألوان، أما تزكية الإنسان فقد طالها النسيان.

(يتبع)

//////////
*نشرت في مجموعة من المنابر الجهوية والوطنية.