مما لاشك فيه أن التعاطي مع قضايا الهوية الثقافية والمرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة سيدخل مرحلة جديدة بعد المراجعة الدستورية القادمة، عنوانها الرئيسي الانتقال من عهد الرهان على الدولة ومؤسساتها إلى الرهان على المجتمع ومؤسساته بشكل أكبر مع بقاء دور مقدر للدولة.
قد يبدو من السابق لأوانه الحديث عن مثل هذا التحول، إلا أن المتابع للنقاش العمومي في القضايا الإشكالية كنظام الأسرة والعلاقات الاجتماعية والحقوق المدنية وقضايا اللغة وسمو الاتفاقيات الدولية وعلاقة ذلك المرجعية الإسلامية ومنظومة القيم ويضاف لهذا القضايا ذات العلاقة بالسيادة الوطنية، يلحظ تراجعا لقدرة الدولة على الحسم في هذه القضايا مثل ما كان يقع في السابق. وعوضا عن ذلك نزوعا متزايدا للخضوع لمواقف النخب ذات الصدى الإعلامي القوي على المستوى الداخلي والمستقوية بالفعالية المدنية الواسعة على المستوى الخارجي وخاصة منه في مؤسسات الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو في الساحة الأمريكية، ويتلو ذلك استغلال جزء من هذه النخب لعلاقات القرب والنفوذ مع مراكز القوى المؤثرة في القرار السياسي بالبلاد من أجل الاستجابة لتلك المواقف كمدخل لاستجلاب الرضى الخارجي واحتواء النقذ الداخلي.
ولعل الناظر لتجارب التدافع في القضايا المثارة آنفا يلحظ تغييبا للمجتمع إلا في حالة قضية مدونة الأسرة التي تم اللجوء فيها إلى الملك بصفته أميرا للمؤمنين لحل التوتر، وهو تغييب أفقر النقاش السياسي وجعل المحطات الانتخابية بدون رهانات إيدلوجية وتقاطبات حقيقية على مستوى البرامج وسط هيمنة لغة التوافق والضغط لتحييد وإضعاف حضور هذه القضايا في برامج الأحزاب، وخاصة الأساسية مثل حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية.
اليوم ثمة عهد ديموقراطي جديد في المنطقة العربية، والمغرب لن يكون استثناءا فيه وأحد أهم مفردات هذا العهد هو '' الشعب يريد...''، وما يعنيه ذلك من أن تحول النخب وجهتها لفرض رؤاها على المجتمع والدولة إلى العمل في صفوف الشعب وإقناعه عوض الاشتغال على إقناع مراكز القوى في الدولة أو الاستقواء بالمؤسسات الأممية والأوربية والمنظمات الأمريكية مثل ما نلحظ في الآونة الأخيرة مع قضية الصحراء المغربية.
لقد عرفت دول أخرى مثل هذا التطور، ولعل النظر في تجارب الانتقال الديموقراطي لحالات دول كالبرتغال أو إيطاليا أو لتجربة التطور السياسي للولايات المتحدة الأمريكية يقف على الحماية الدستورية التي أقرتها هذه الدساتير لتضمن حق الشعب في الاقتراح المباشر للقوانين أو المراجعة الدستورية أو الحق في جعل البت التشريعي في القضايا الخلافية ذات العلاقة بنظام الهوية والقيم يمر عبر إحالتها على الاستفتاء الشعبي دون أن يعني ذلك المس بحقوق الأقليات التي توضع لها مقتضيات دستورية خاصة.
في حالة إيطاليا مثلا نجد أن الدستور ينص في المادة 50 على حق المواطنين بالتوجه عبر عرائض إلى البرلمان من أجل اقتراح مقتضى تشريعي، كما تنص المادة 75 على الحق في طلب الاستفتاء من أجل إبطال الجزئي أو الكلي لمفعول قانون أو فعل له قيمة قانونية في حالة التقدم بالطلب من قبل 500 ألف مواطن أو من قبل خمس مجالس جهوية، وأن هذا الحق لا يشمل المقتضيات الضريبية أو المتعلقة بالميزانية أو بالعفو أو بالتصديق على اتفاقية دولية. أما الحالة الأمريكية فهي رائدة بوجود هذا المقتضى في 24 ولاية تسمح بالمبادرة الشعبية في مجال التشريع وتضه لذلك شروطا تختلف من هذه الولاية إلى تلك ومنها نسبة محددة تصل إلى 10 في المائة من الناخبين الذي شاركوا في آخر انتخابات لقبول الاقتراح مع اشتراط أن تشمل التوقيعات ثلاثة أرباع مناطق الولاية من الناحية الجغرافية وتقدم أربعة أشهر قبل موعد أول استحقاق انتخابي قادم. أما البرتغال فلن تستطع الحسم في قضية الإجهاض إلا عبر استفتاء شعبي في 1999 صوت في الأول بالرفض ثم أعيد لضعف المشاركة وكانت النتيجة بالقبول.
ما سبق نموذج لآلية من بين آليات عكست هذا التطور، والمفروض أن تتضمن المراجعة الدستورية القادمة ما يجسدها.
مصطفى الخلفي/التجديد
قد يبدو من السابق لأوانه الحديث عن مثل هذا التحول، إلا أن المتابع للنقاش العمومي في القضايا الإشكالية كنظام الأسرة والعلاقات الاجتماعية والحقوق المدنية وقضايا اللغة وسمو الاتفاقيات الدولية وعلاقة ذلك المرجعية الإسلامية ومنظومة القيم ويضاف لهذا القضايا ذات العلاقة بالسيادة الوطنية، يلحظ تراجعا لقدرة الدولة على الحسم في هذه القضايا مثل ما كان يقع في السابق. وعوضا عن ذلك نزوعا متزايدا للخضوع لمواقف النخب ذات الصدى الإعلامي القوي على المستوى الداخلي والمستقوية بالفعالية المدنية الواسعة على المستوى الخارجي وخاصة منه في مؤسسات الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو في الساحة الأمريكية، ويتلو ذلك استغلال جزء من هذه النخب لعلاقات القرب والنفوذ مع مراكز القوى المؤثرة في القرار السياسي بالبلاد من أجل الاستجابة لتلك المواقف كمدخل لاستجلاب الرضى الخارجي واحتواء النقذ الداخلي.
ولعل الناظر لتجارب التدافع في القضايا المثارة آنفا يلحظ تغييبا للمجتمع إلا في حالة قضية مدونة الأسرة التي تم اللجوء فيها إلى الملك بصفته أميرا للمؤمنين لحل التوتر، وهو تغييب أفقر النقاش السياسي وجعل المحطات الانتخابية بدون رهانات إيدلوجية وتقاطبات حقيقية على مستوى البرامج وسط هيمنة لغة التوافق والضغط لتحييد وإضعاف حضور هذه القضايا في برامج الأحزاب، وخاصة الأساسية مثل حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية.
اليوم ثمة عهد ديموقراطي جديد في المنطقة العربية، والمغرب لن يكون استثناءا فيه وأحد أهم مفردات هذا العهد هو '' الشعب يريد...''، وما يعنيه ذلك من أن تحول النخب وجهتها لفرض رؤاها على المجتمع والدولة إلى العمل في صفوف الشعب وإقناعه عوض الاشتغال على إقناع مراكز القوى في الدولة أو الاستقواء بالمؤسسات الأممية والأوربية والمنظمات الأمريكية مثل ما نلحظ في الآونة الأخيرة مع قضية الصحراء المغربية.
لقد عرفت دول أخرى مثل هذا التطور، ولعل النظر في تجارب الانتقال الديموقراطي لحالات دول كالبرتغال أو إيطاليا أو لتجربة التطور السياسي للولايات المتحدة الأمريكية يقف على الحماية الدستورية التي أقرتها هذه الدساتير لتضمن حق الشعب في الاقتراح المباشر للقوانين أو المراجعة الدستورية أو الحق في جعل البت التشريعي في القضايا الخلافية ذات العلاقة بنظام الهوية والقيم يمر عبر إحالتها على الاستفتاء الشعبي دون أن يعني ذلك المس بحقوق الأقليات التي توضع لها مقتضيات دستورية خاصة.
في حالة إيطاليا مثلا نجد أن الدستور ينص في المادة 50 على حق المواطنين بالتوجه عبر عرائض إلى البرلمان من أجل اقتراح مقتضى تشريعي، كما تنص المادة 75 على الحق في طلب الاستفتاء من أجل إبطال الجزئي أو الكلي لمفعول قانون أو فعل له قيمة قانونية في حالة التقدم بالطلب من قبل 500 ألف مواطن أو من قبل خمس مجالس جهوية، وأن هذا الحق لا يشمل المقتضيات الضريبية أو المتعلقة بالميزانية أو بالعفو أو بالتصديق على اتفاقية دولية. أما الحالة الأمريكية فهي رائدة بوجود هذا المقتضى في 24 ولاية تسمح بالمبادرة الشعبية في مجال التشريع وتضه لذلك شروطا تختلف من هذه الولاية إلى تلك ومنها نسبة محددة تصل إلى 10 في المائة من الناخبين الذي شاركوا في آخر انتخابات لقبول الاقتراح مع اشتراط أن تشمل التوقيعات ثلاثة أرباع مناطق الولاية من الناحية الجغرافية وتقدم أربعة أشهر قبل موعد أول استحقاق انتخابي قادم. أما البرتغال فلن تستطع الحسم في قضية الإجهاض إلا عبر استفتاء شعبي في 1999 صوت في الأول بالرفض ثم أعيد لضعف المشاركة وكانت النتيجة بالقبول.
ما سبق نموذج لآلية من بين آليات عكست هذا التطور، والمفروض أن تتضمن المراجعة الدستورية القادمة ما يجسدها.
مصطفى الخلفي/التجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق