جلس المسؤول على أريكته ليرتاح بعد ما فك ربطة العنق التي أصبحت تخنقه. و فجأة وقف أمامه ضميره العائد بعد غيبة طويلة. فكان بينهما الحوار التالي:
-المسؤول (متوتر ومندهش): من أنت أيها الغريب ؟ وماذا تريد؟
-الضمير(يقترب مبتسما): أنا ضميرك يا سيدي المسؤول. ألا تذكرني؟ أنت رجل طيب و قد كنتَ مناضلا مستقيما تحب الخير للشعب وللوطن، كنت تنادي بالعدل بين المواطنين وتشفق على المستضعفين... ماذا حصل معك؟ لماذا تغيرت؟ أنظر إلى حالك؟ ألا تخجل من نفسك؟
- المسؤول: أنا في أحسن الأحوال. وصلت إلى المجد والمنصب والجاه بكفاءتي وذكائي وحنكتي. يكلمني الوزير وأجالس كبار المسؤولين في البلد. و قد أصبح وزيرا أنا كذلك في القريب العاجل. لن يزحزحني أحد من مكاني !
- الضمير: لا تغتر بالمنصب. إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء و المسؤولية ابتلاء. أنت وصلت بطرق مشبوهة وملتوية وأنت تعرف هذا جيدا...
- المسؤول (مقاطعا): لا، لا. إنه كلام الحساد والفاشلين الذين يريدون الإطاحة بي والجلوس مكاني.
- الضمير: إنه ليس مكانك يا هذا. أنت تلبس جلبابا عريضا لا يناسبك. لقد أصبحت أضحوكة في نظر الجميع. لا تصدق المنافقين و المتملقين. هل تذكر أنك ضحيت بكرامتك و بعرضك وبشرفك للوصول إلى ذلك المقعد؟
- المسؤول: العرض، الشرف، الكرامة؟؟... أولا هذه الأمور شخصية. وثانيا أنا لا أومن بهذه الكلمات القديمة والمتجاوزة. نحن نسعى إلى تحديث المجتمع وتنويره وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ولا بد أن أعطي القدوة وأبدأ بنفسي. من حق زوجتي يكون لها أصدقاء، إنها حرة... الشعب متخلف و يريد أن يطبق نموذج طالبان.
- الضمير: ألا تصلك أخبار المواطنين في المقاهي؟ لا حديث لهم إلا مغامرات زوجتك القديمة والحديثة مع كبار المسؤولين الذين نصبوك. إن المسألة تجاوزت حياتكما الشخصية، إنها تتحكم في تسيير الأمور العامة... أنت مسؤول صوري يا سيدي، و أنا أشفق عليك. قريبا ستملأ فضائحكم صفحات الفايسبوك.
- المسؤول: الفايسبوك كلام صبيان، وحديث المقاهي هو مجرد إشاعات تصب في خطاب التيئيس الذي لا يرى أبدا النصف الممتلئ من الكأس. ألم تقرأ تصريحاتي على الجرائد الكبرى؟ ألم تر صورتي على الصفحات الأولى؟
- الضمير: نعم، رأيت، لكن كان ذلك بالمقابل. إنها رشوة وإفساد للإعلام؟
- المسؤول: رشوة؟ فساد؟ أنت مثالي وطوباوي ومتخلف. إنها السياسة والفطنة يا هذا. إنها قواعد اللعبة. كل العالم اليوم يسير بهذه الطريقة. لماذا تريدني أن أكون الاستثناء؟ إنه سر النجاح والتألق؟ كل المسؤولين الكبار يقومون بتلميع صورهم وإبراز منجزاتهم.
- الضمير: ألا تخاف من عقاب الله ؟ ألست مسلما؟ تخيل نفسك وحيدا في القبر. قم بإنصاف كل المظلومين قبل فوات الأوان. أنت تردد يوميا مصطلح "الإصلاح" و "الحكامة" و القانون؟ ألا تعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟ ألا تخشى الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة؟ انتفض ضد الفساد وابدأ بحاشيتك. تب إلى الله قبل فوات الأوان... ترجل...المسؤولية أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة... يمكن أن تخدع كل الناس، لكن لا يمكنك أن تخدع رب الناس، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور...
و بينما شرع المسؤول يفكر في كلام الضمير، دخلت زوجته وفي يدها سيجارة و أشارت إليه أن يوقدها بسرعة. و في لمحة بصر، فر الضمير المسكين مهرولا قبل أن تراه الزوجة فتشبعه ضربا.
محمد السباعي
-المسؤول (متوتر ومندهش): من أنت أيها الغريب ؟ وماذا تريد؟
-الضمير(يقترب مبتسما): أنا ضميرك يا سيدي المسؤول. ألا تذكرني؟ أنت رجل طيب و قد كنتَ مناضلا مستقيما تحب الخير للشعب وللوطن، كنت تنادي بالعدل بين المواطنين وتشفق على المستضعفين... ماذا حصل معك؟ لماذا تغيرت؟ أنظر إلى حالك؟ ألا تخجل من نفسك؟
- المسؤول: أنا في أحسن الأحوال. وصلت إلى المجد والمنصب والجاه بكفاءتي وذكائي وحنكتي. يكلمني الوزير وأجالس كبار المسؤولين في البلد. و قد أصبح وزيرا أنا كذلك في القريب العاجل. لن يزحزحني أحد من مكاني !
- الضمير: لا تغتر بالمنصب. إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء و المسؤولية ابتلاء. أنت وصلت بطرق مشبوهة وملتوية وأنت تعرف هذا جيدا...
- المسؤول (مقاطعا): لا، لا. إنه كلام الحساد والفاشلين الذين يريدون الإطاحة بي والجلوس مكاني.
- الضمير: إنه ليس مكانك يا هذا. أنت تلبس جلبابا عريضا لا يناسبك. لقد أصبحت أضحوكة في نظر الجميع. لا تصدق المنافقين و المتملقين. هل تذكر أنك ضحيت بكرامتك و بعرضك وبشرفك للوصول إلى ذلك المقعد؟
- المسؤول: العرض، الشرف، الكرامة؟؟... أولا هذه الأمور شخصية. وثانيا أنا لا أومن بهذه الكلمات القديمة والمتجاوزة. نحن نسعى إلى تحديث المجتمع وتنويره وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ولا بد أن أعطي القدوة وأبدأ بنفسي. من حق زوجتي يكون لها أصدقاء، إنها حرة... الشعب متخلف و يريد أن يطبق نموذج طالبان.
- الضمير: ألا تصلك أخبار المواطنين في المقاهي؟ لا حديث لهم إلا مغامرات زوجتك القديمة والحديثة مع كبار المسؤولين الذين نصبوك. إن المسألة تجاوزت حياتكما الشخصية، إنها تتحكم في تسيير الأمور العامة... أنت مسؤول صوري يا سيدي، و أنا أشفق عليك. قريبا ستملأ فضائحكم صفحات الفايسبوك.
- المسؤول: الفايسبوك كلام صبيان، وحديث المقاهي هو مجرد إشاعات تصب في خطاب التيئيس الذي لا يرى أبدا النصف الممتلئ من الكأس. ألم تقرأ تصريحاتي على الجرائد الكبرى؟ ألم تر صورتي على الصفحات الأولى؟
- الضمير: نعم، رأيت، لكن كان ذلك بالمقابل. إنها رشوة وإفساد للإعلام؟
- المسؤول: رشوة؟ فساد؟ أنت مثالي وطوباوي ومتخلف. إنها السياسة والفطنة يا هذا. إنها قواعد اللعبة. كل العالم اليوم يسير بهذه الطريقة. لماذا تريدني أن أكون الاستثناء؟ إنه سر النجاح والتألق؟ كل المسؤولين الكبار يقومون بتلميع صورهم وإبراز منجزاتهم.
- الضمير: ألا تخاف من عقاب الله ؟ ألست مسلما؟ تخيل نفسك وحيدا في القبر. قم بإنصاف كل المظلومين قبل فوات الأوان. أنت تردد يوميا مصطلح "الإصلاح" و "الحكامة" و القانون؟ ألا تعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟ ألا تخشى الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة؟ انتفض ضد الفساد وابدأ بحاشيتك. تب إلى الله قبل فوات الأوان... ترجل...المسؤولية أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة... يمكن أن تخدع كل الناس، لكن لا يمكنك أن تخدع رب الناس، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور...
و بينما شرع المسؤول يفكر في كلام الضمير، دخلت زوجته وفي يدها سيجارة و أشارت إليه أن يوقدها بسرعة. و في لمحة بصر، فر الضمير المسكين مهرولا قبل أن تراه الزوجة فتشبعه ضربا.
محمد السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق