لا يمكن الحديث عن التغير في ظل قمع حرية التعبير والرأي. وإن أخطر الأصوات في نظر أخطبوط الفساد بالمغرب هي الأصوات الإيجابية التي تزكي المكتسبات وتنطلق من الثوابت العليا للوطن ولا تتوانى في فضح الفساد بجرأة غير معهودة في وطن سادت فيه مشاعر الخوف و الحكرة والإقصاء والاحتقار والانسحاب لدى أغلب المواطنين منذ عقود. وإن توقيف عبد الله نهاري خطيب مسجد الكوثر بوجدة وخطباء آخرين في هذا الظرف بالذات واعتقال الصحفي المقتدر رشيد نيني وقبلهما الحقوقي محمد الخياري لأكبر دليل على ما نقول. فهؤلاء كل من موقعه يشتركون في عشق الوطن وعدم الخروج عن الشرعية وعن الثوابت العليا للبلاد. ذنبهم الوحيد أنهم رفعوا صوتهم عاليا للتعبير عن حقائق مرة يعرفها عامة الشعب، فعظمت شعبيتهم وذاع صيتهم مما بعث الذعر في نفوس أعداء التغيير. لقد استبشر المغاربة خيرا مع ما سمي بالعهد الجديد بقيادة جلالة الملك الذي بعث الأمل في النفوس وأعطى الدليل في خطاب 9 مارس الأخير على رغبته الأكيدة في إحداث تغييرات حقيقية وطالب الأمة المغربية بفتح النقاش على مصراعيه لتعديل الدستور وإدخال الإصلاحات الضرورية. فمدير يومية المساء كانت له الجرأة لتوجيه النقد لمؤسسة الأمن وكسر الطابوهات التي تحيط بدهاليز وزارة الداخلية لأول مرة في تاريخ الصحافة المغربية.
لقد كشف عن حقائق مثيرة حول معتقل تمارة السيري ونشر حقائق عن الفساد واختلاس المال العام بناء على تقرير المجلس الأعلى للحسابات. وهذا جد طبيعي في ظل الغليان الشعبي بعد هبوب رياح الثورات العربية الأخيرة. لكن أعداء التغيير رأوا في ذلك تهديدا لمصالحهم و كشفا لتورطهم . وكذلك الناشط الحقوقي الريفي محمد الخياري الذي توبع بتهمة غريبة جدا وهي "تسفيه جهود الدولة" وغيره كثير من شرفاء هذا الوطن. أما الداعية المرح عبد الله نهاري فهو ظاهرة لا تتكرر كثيرا في التاريخ، لم يدفعه غضبه على انتهاك حرمات الإسلام إلى الخروج عن المؤسسات والعمل في إطار الشرعية تحت قيادة أمير المؤمنين الملك الشاب المصلح كما كان يردد دائما في خطبه ودروسه. لقد عمل منذ أزيد من 20 سنة على نشر الفكر الإسلامي المعتدل القائم على الانخراط في المجتمع ومخالطة الناس والرفق بالعصاة والتدرج في الدعوة وعدم استعجال النتائج. فقد كنا نتلقى دروسه وخطبه بشوق كبير ونستمتع بمستملحاته ونوادره التي تضفي نكهة خاصة على حديثه. قدم لنا ونحن شباب في حي كولوش صورة جميلة عن الإسلام وقدم نموذجا جديدا للداعية الذي يعيض هموم عصره و يجمع بين الجد والاستقامة والمرح. حارب الغلو والتطرف بجميع أشكاله مما أثار حفيظة بعض المتدينين وبعض الجماعات الإسلامية التي روجت أنه مجرد بوق للمخزن. عرفناه في الوقفات التضامنية مع قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية يتحدث بصوت قوي ولكنه مليء بالرحمة و المحبة وخفض الجناح للمؤمنين ، يختم كلماته بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين ولولاة الأمر ولا يستثني مصالح الأمن والقوات المساعدة والقوات المسلحة التي تحرص الثغور في الصحراء المغربية. ساهم كثيرا في تعزيز سلوك المواطنة لدى الشباب اليائس من أي تغيير أو إصلاح. لم يدعي يوما أنه عالم بل كان يردد أنا مجرد واعظ وكان يواظب على دروس فضيلة الأستاذ مصطفى بنحمزة ويأخذ عنه وينصحنا بذلك في بداية الثمانينات .لم يجرؤ أي مسؤول سابق في وزارة الأوقاف أو في الأجهزة الأمنية على توقيفه لعلمهم بالدور التربوي الفعال الذي يقوم به بتحقيق الأمن الروحي وتقليص نسبة الجريمة والانحراف خاصة في الأحياء الهامشية مثل كولوش والرجا في الله والزرارقة وغيرها. لا بد أن الأيادي الخفية في وزارة الداخلية والتي بدأ الشباب في المسيرات يشيرون إليها بالاسم هي من وراء هذا التأزيم بغرض تحريف مسار الإصلاحات. فعوض التظاهر للمطالبة بإعداد جيد لانتخابات حرة وعدم تكرار مهزلة 2009، ها هي الحشود تخرج للمطالبة بإرجاع النهاري وبنمسعود والهلالي وإطلاق سراح نيني.محمد السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق