إذ نهنئ الشعب التونسي على التغيير الديموقراطي الأبيض، فإن هناك حاجة لأخذ العبر من الحدث التونسي الكبير والتي هي كثيرة ومتعددة، إلا أن الدرس الجوهري هو ما كشفه من فشل الرهان على التمييع والإبعاد عن التدين واستهداف القيم وإشاعة اللامبالاة وما يصطلح عليه بتكسير الطابوهات بسياسة مهرجانات مكثفة بلغت حوالي 450 مهرجانا سنويا، كل ذلك تحت وهم ضمان أمن الاستبداد واستقراره عبر إخراج جيل شاب بدون قضية وعاجز عن الانخراط لحمل مشعل أية قضية، وكان أن انتهى على يد هذا الجيل الذي اكتمل وعيه أو ولد بعد اعتماد وصفة القمع الكاسح والتمييع الشامل.
إن هذا الفشل يوازي فشل النموذج الإقصائي الاستئصالي وما ارتبط به من قمع وضرب للتعددية، والدرس التونسي الحقيقي هو أن الأمن الناجم عن التمييع والتفسيخ أمن مزيف وظرفي ومؤقت، هذا بالرغم من أن تركيا- أتاتورك سبقت تونس في ذلك إلا أن الحكم التونسي عجز عن الاستفادة من هذه التجربة.
إننا نتطلع إلى أن تحقق تونس بحكمة وتدرج وواقعية انتقالها الديموقراطي وأن تقدم نموذجا رائدا في المنطقة للمصالحة و التوافق وأن تأخذ درس التجربة العراقية وما كشفته عن الحاجة لأن يتم تجميع كافة القوى دون أي إقصاء أو استثناء من أجل إعادة البناء، مع الحذر من السقوط ضحية الشعارات الجذرية البراقة والمثالية، لكن في الوقت نفسه بناء إطار ديموقراطي يتم فيه طي صفحة الماضي دون اعتماد منطق القطيعة الشاملة التي تقوض بنية الدولة القائمة ودون أن تتمكن من إرساء البديل، وتكون النتيجة الفوضى المدمرة.
إن المرحلة تقتضي المسؤولية والابتعاد عن التورط في التدخل في الشأن التونسي، وتشجيع المشاركة الجماعية في إنقاذ تونس ووضعها على مسار الديموقراطية الحقة، ونعتقد أن الشعب التونسي يتوفر على حكماء لهم من بعد النظر والقدرة على ضمان انطلاقة جديدة لتونس ترفض التدخل الأجنبي في تحديد مصيرها وتصون مشاركة كل مكونات وقوى تونس في تحديد هذا المصير.
محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد و الإصلاح بالمغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق