05 ديسمبر 2011

الطاهر بنجلون لم يتقبل ثورة الصناديق بالمغرب

 في مقال بعنوان "الإسلام ينبغي أن يبقى في المساجد" بصحيفة لوموند الفرنسية بعدد اليوم الاثنين 5 دجنبر، نفى الطاهر بنجلون -الكاتب والشاعر الفرنكوفوني المغربي الحائز على جوائز- وجود "إسلاميين معتدلين" واصفا هذه العبارة بالفارغة من المعنى والملئية بالمغالطات. وفي حكم قطعي شامل لا يميز بين أحد، قال بنجلون إن كل الإسلاميين في الدنيا متطرفون ولو كان خطابهم مطمئنا.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها هذا الكاتب -العضو بأكاديمة غونكور الفرنسية-عن وجهة نظره في الإسلاميين بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر الماضي. وكان قد أظهر تخوفه مما سماه "شبح الإسلاميين الذي يخيم على المغرب العربي" بصحيفة لافانغارديا يوم 7 نونبر 2011.
ورغم الإشارات والعبارات والتطمينات، فإن بنجلون أعرض عنها، موقنا أن ماكينة سحق الحريات الفردية والقمع تختفي في بعض الأحيان تحت ستار عبارات "التطبيع والأصالة.
ولم يطق بنجلون صبرا، ولم يعط حتى الفرصة لرؤية تجربة الإسلاميين، ولم يتمعن في التجارب المعاصرة، ولا في المصارف الإسلامية ونموها، وإدخال الاقتصاد الإسلامي إلى بعض الدول الغربية، إذ أن اللجوء إلى الإسلام لحل المعضلات الاقتصادية ومكافحة الفقر والفساد -في نظره-  ليس سوى سراب ومجرد خطاب أخلاقي لدغدغة مشاعر الناس.
ونصب الشاعر نفسه عالما بالإسلام وشريعته، فقال إن الإسلام دين رائع يجب أن يبقى في القلوب والمساجد، فالله يجعل الإنسان مسؤولا مسؤولية فردية في أفعاله فلا تزر وازرة وزر أخرى، وليست له حاجة إلى حكومة دينية لتملي على الناس ما يفعلون.
 ومضى بنجلون إلى استعراض تدخل الحكومات الدينية في شؤون الناس، والبداية في نظره تكون بالخطب والمواعظ والنهاية بالفتاوى التي تنظم الحياة اليومية للمواطنين، وذلك ما يجعل الناس متوقفين عن التفكير تاركين الوعاظ والمفتين يفكرون مكانهم.
ويبدو أن صاحب رواية "ليلة القدر"-1987- وكتاب "تفسير الإسلام للأطفال"-2002- لم يستسغ صعود حزب الإسلاميين المغاربة للتدبير الحكومي ولم يتابع مجريات التحولات العربية العارمة وحكمة العاهل المغربي، فالمغرب في نظره ظل دائما مسلما، ولم يخلط أبدا بين الدين والسياسة، فماذا حصل حتى فاز الإسلاميون، مع أن تونس ليست هي المغرب منذ ان صار محمد السادس ملكا للمغرب.
بنجلون الذي أصيب على ما يظهر بعمى الألوان، عاد إلى الوراء ليبحث عمن هي الجهات المسؤولة عن صعود الإسلاميين، وكان عليه أن يسأل عن أسباب الثورات وكيف تعاملت معها الأنظمة القائمة بما فيها النظام المغربي الذكي. أما الإسلاميون فجاء الربيع العربي وحملهم فوق الأكتاف بثورات دموية أو سلمية أو بثورة الصناديق كما حصل بالمغرب.
وتأسف الرجل كيف كان التعريب بوابة ولجت منها الإسلامية فأخرجته من مهنة أستاذ الفلسفة سنة 1971 لقطع الطريق على اليساريين المتعلقين بالفلسفة في الجامعات.
وصدق بنجلون عندما اعتبر أن من أهم أسباب صعود الإسلامية الثورة الإيرانية وإشعاع الإخوان المسلمين والقنوات الفضائية لدول الخليج. لكنه نسي السياسات الاستعمارية أثناء الاحتلال والاستقلال، ونسي تهميش العلماء، وأنظمة الاستبداد والفساد المتعاقبة، ونسي الاحتلال الصهيوني والغطرسة الغربية... كما نسي قانون التجديد الذاتي لهذا الدين.
وفي تناقض سافر وأستاذية متعالية واستهزاء بالذين صوتوا، رفض بنجلون نتيجة الانتخابات لأنها لم تكن ديمقراطية، إذ يرى أنه صحيح أن الانتخاب كان حرا وبلا تدخل ولا تزوير، لكن نسبة 45 بالمئة معناه أن بيداغوجيا العمل الديمقراطي لم تتقدم، فالديمقراطية على حد قوله، ليست عملا تقنيا ولكنها ثقافة، والمغرب لم يكن له الوقت ليعلم المغاربة الديمقراطية... فلماذا يا شاعرنا لا نترك الفرصة للناجحين حاليا أن يقوموا بهذا العمل؟ وهل الديمقراطية هي أن يخسر الإسلاميون وينجح غيرهم؟
وفي ما يشبه السخرية تمنى مؤلف رواية "في بلدي" -2008- أن لا يرتكب المسؤولون الجدد أخطاء جسيمة وألا يكونوا سببا في هروب السياح والمستثمرين، لأن المشاكل الضخمة لن تحل بالصلوات والأدعية، ولكن بتعبئة عقلانية وإرادة سياسية.
يذكر أن هذا الكاتب الذي تحتفي به القنوات الفرنسية سبق له أن ألف كتابين أدبيين حول الثورات العربية، وتنبأ بأن الإخوان المسلمين لن يحصوا إلا على 18 بالمئة من الأصوات لعدم مشاركتهم في الثورات، وقد قدم الشعب المصري الإجابة اللاذعة للمتنبي الفرنكوفوني.
يبدو أن الذين يزعمون أنهم علمانيون وديمقراطيون متاشبهون في العواطف والمشاعر بعد هزيمتهم أمام الديمقراطيين الحقيقيين والعلمانيين المتنورين والإسلاميين المعتدلين.
الحسن سرات
موقع حركة  التوحيد والإصلاح

ليست هناك تعليقات: