24 مايو 2010

هل محمد بنعياد فعلا رجل الرهانات الصعبة؟ (مقالات6)


خصص زميلنا عبد السلام المساوي أستاذ الفلسفة ومدير جريدة "الجهة الشرقية" صفحتين كاملتين من عدد مارس لتلميع صورة مدير الأكاديمية الذي وصفه في الصفحة الأولى ب"رجل الرهانات الصعبة". مقالات العضو السابق للمجلس الإقليمي للاتحاد الاشتراكي تقفز على حقيقة واقع التعليم بالجهة الشرقية وتجعل المواطن البسيط يشك في مصداقية كل الأقلام التي تتميز بالغيرة على المنظومة التربوية والتي تجمع على وجود اختلالات كبيرة في تدبير شؤون الأكاديمية وتنتقد السلوك الانفرادي للسيد محمد بنعياد. وأكبر دليل توالي الوقفات الاحتجاجية لهيئة التدريس وهيئة المراقبة التربوية بمختلف الانتماءات النقابية والتهديد بمقاطعة الامتحانات، ناهيك عن القضايا المعروضة على المحاكم الإدارية ضد السيد بنعياد. الشيء الذي يعيد طرح سؤال العلاقة بين التعليم والإعلام الذي تناوله بشكل رصين الأستاذ عبد العزيز قريش، حيث استعرض أهم الصفائح التي تجسر العلاقة بين الحقلين: التعليم والإعلام. إلا أن الصفيحة الغائبة في نظري المتواضع هي علاقة "الاحتواء" أو "الشراء" في حالة الجهة الشرقية ، وذلك بغرض التدليس على الحقائق وتلميع صورة المسؤول الأول عن الإدارة التربوية من خلال سعي هذا الأخير إلى اعتماد أساليب الترغيب مع الزملاء المؤيدين (المناصب، الحظوة عند المسؤول...) أو الترهيب في حق الزملاء المنتقدين (الإقصاء والشطط في استعمال سلطة الإدارة والإجهاز على الحقوق ). والغريب في الأمر أن الجريدة المعنية توضع على مكاتب ومصالح الأكاديمية وكأنها منبر إعلامي أو نشرة خاصة بإدارة الأكاديمية التي من المفروض فيها أن تكون إدارة عمومية لكل المواطنين ومفتوحة في وجه كل المنابر الإعلامية دون تمييز، مما يستدعي تحقيقا في مسألة تمويل مثل هذه الصحف وعلاقة ذلك بالمال العام. هذا يعني كذلك أن أي مسؤول يمكنه أن يستغني عن السلطة الرابعة بأبواق مدعومة كما يمكنه أن يستغني عن الفرقاء الاجتماعيين بنفر من الوصوليين وأصحاب المصالح الخاصة ويمكن أن يستغني عن المقاولات الوطنية بمقاول وحيد يفوز بجميع الصفقات وإن اقتضى الحال التضحية بالمصلحة العامة أو تعليق المشروع برمته. لا داعي لعقد اللجان الموسعة لأن اللجان الخاصة والمستشارين المقربين يمكنهم تدبير شؤون القطاع بنجاح من خارج أسوار الأكاديمية! وهكذا يتم ضرب الحكامة الفعلية بحكامة صورية و تبقى الكلمة الأولى والأخيرة ل"رجل الرهانات الصعبة"، عبقري زمانه ووحيد قرنه. وتستمر الاختلالات البنيوية وينهج المسؤول سياسة صم الآذان والهروب إلى الأمام والحرب المفتوحة مع كل الفرقاء والشركاء والمرؤوسين مادامت الصحافة "الموالية" لا ترى إلا المنجزات الوهمية والانتصارات الدنكشوتية للسيد المسؤول ولا تساعده على رؤية الحقيقة وتجاوز الأخطاء. يقول السيد المساوي بصيغة التعميم "فجميعهم (أي نساء ورجال التعليم) يعاينون المنجزات التي انتقلت من التصور إلى الميدان" و "لم يعد هاجس اليأس موجودا بل حل محله التفاؤل ". بل يتهم الانتقادات الموجهة لمدير الأكاديمية ب"المزايدات المشبوهة والأنانية والمدمرة" ويوظف الآية الكريمة "والله خير الماكرين". هؤلاء المنتقدين الذين أزعجهم نجاح بنعياد "راحوا يختلقون حكايات من نسج الخيال طمعا في تدمير الرجل"، في إشارة إلى فضيحة الشذوذ الجنسي التي عرفت بقضية تيريزا وكأن التفاصيل الدقيقة التي تناولتها كل الصحف المحلية كانت من نسج خيالها. وكأن الإهانة التي تعرضت لها أنا شخصيا على يد السيد المدير مجرد خيال أو حلم، وكأن المراسلة التي اختفت والمنصب الذي ضاع مني بثانوية المغرب العربي مجرد أوهام وهراء!! يشيد السيد المساوي بالتشبث الحرفي للسيد المدير بالقانون. والحقيقة عكس ذلك تماما، فلو فرضنا أن كل من تعرضوا لشطط أو تعسف الأكاديمية رفعوا دعوات أمام القضاء الإداري وطالبوا بالتعويض لأفلست وزارة التربية الوطنية!!

ثم يتحول أستاذ الفلسفة والعقلانية من الحديث عن "التدبير البنعيادي الديكارتي" إلى شاعر ملهم ليصف بنعياد بتعابير مثل"يا جبل ما هزك الريح"، "حمل في صدره كبرياء القمم وإصرار الأنهار"، "رجل متكتم، يعي جيدا مسؤولياته ويعالجها بالهدوء اللازم "، "أنيق خلقا وخلقا"، "يكره الثرثرة ولغو الكلام"،"مربي ولا ينس أنه مدير، مدير ولا ينس أنه مربي، مستعد ليخسر كل شيء إلا كرامته"، "يتكلم وهو يفكر، يفكر وهو يتكلم"...

هذا الكلام لا يخلو من سفسطة وتملق مستفز، لا يليق بصحافة تحترم نفسها وتدعي الدفاع عن حقوق المواطنين وممارسة الرقابة على المرفق العام، و يضرب في العمق مصداقية الإعلام الجهوي الحر المستقيل ويشوش على الأقلام المواطنة التي لا تحابي أحدا... ويكفي أن أشير مثلا إلى المقالات الجريئة والمفعمة بالغيرة على هذا الوطن عموما وعلى واقع التعليم خصوصا للشاب الصحفي المرحوم الشيخ مبطيل. كان رحمه الله وهو لا يزال في بداية الطريق يعرف أن الصحافة مسؤولية وعمل يتطلب جهدا كبيرا. فكان يطالعنا بتحقيقات ميدانية حول "اختفاء القاصرات بإعدادية الجاحظ" مثلا، وعن الشذوذ الجنسي وعبدة الشيطان بثانوية المهدي بن بركة وزيري وعبد المومن وانتشار القرقوبي في صفوف التلاميذ وكان يعد لتحقيق صحفي عن سكان حي برحمون بوجدة قبل وفاته رحمه الله. يتصل بالتلاميذ ويستجوب الأمهات ويزور إدارات المؤسسات قبل أن يقدم مادته الإعلامية للقراء. وختم إحدى مقالاته بهذا الدعاء "اللهم ثبتننا على دينك حتى نلقاك يا رب" .وكنا نحمد الله حين نسمع أن السيد والي الأمن بوجدة أمر بحملة تمشيط في الأماكن التي أشارت إليها الصحافة المحلية ولحماية التلاميذ عند أبواب المؤسسات. أما السيد بنعياد فلسان حاله يقول: "أكتبوا أو لا تكتبوا أيها المغاربة فأنا لا أقرأ إلا جريدتي المفضلة، ويكفيني فخرا شهادة السيد الحبيب المالكي الوزير السابق بأنني "نجحت في الامتحان" ويكفيني شرفا أنني حصلت على وسام الاستحقاق من درجة فارس من الدولة الفرنسية"!!

السباعي

ليست هناك تعليقات: