تناولنا في مقال سابق خطأ مهنيا لا تربويا وقعت فيه
القناة الوطنية الثانية حين أظهرت صورا لتلاميذ يستعدون لامتحان الباكلوريا بوسائل
الغش الحديثة وكأنها تقرهم على ذلك، متناسية الإجراءات الصارمة التي اتخذتها وزار
ة التربية الوطنية لتطويق الظاهرة. و بالتالي فهي تتحمل المسؤولية المعنوية فيما
وقع من بعض التلاميذ الذين اعتبروا النقل "ضروري" كما قيل لهم في دوزيم وتمردوا
على الحراس واعتدوا عليهم في بعض الأحيان. وها هي ذات القناة ترتكب خطآ قاتلا في
تعاطيها مع موضوع آخر شديد الحساسية عند المغاربة وهو المرجعية العليا للبلاد و التقاطب
الحاصل بين دعاة سمو الشريعة الإسلامية و أنصار سمو المواثيق الدولية، وهو نفس
الموضوع الذي احدث فتنة كبرى في موضوع الأسرة أدى إلى انقسام المغاربة بين مسيرة
البيضاء ومسيرة الرباط، و لم يقف النقاش إلا بعد تدخل الملك وتأسيس لجنة لصياغة
مدونة الأسرة. المشكل في قضية نهاري/غزيوي هو أن القناة الثانية كانت جد متحيزة
للطرف العلماني وللجمعيات الحقوقية الممولة من الخارج، إذ أعطتهم الكلمة ليدينوا
ويتهموا الطرف الآخر بالتطرف والظلامية، واكتفت بنقل شريط مبتور للداعية عبد الله
نهاري دون أن تكلف نفسها عناء استجوابه مباشرة وإعطائه الفرصة ليعبر عن قصده من
كلامه ويزيل اللبس وربما يعتذر كما اعتذر دائما ويشعر بانتمائه لهذا الوطن الذي
خدمه منذ أن عرفناه مربيا ومرشدا ومصلحا بين الناي وداعيا إلى الخير. لكن مديرة
القناة الثانية تعمدت تسييس القضية و أدلجتها والتشهير برمز تعتقد أنه مقرب من
العدالة والتنمية الذي أكدت في حوار سابق مع قناة فرنسية أنها ستحاربه بكل
الوسائل ! لكن ما النتيجة الآن :
نقاش ساخن بين الشباب في وسائل الإعلام يصل إلى تبادل السب والشتم ، بل تجاوز حدود
المغرب ليصل إلى صفحات الفايسبوك المصرية التي تصب جام غضبها على "الصحفي
الديوث" الذي يقر الخبث في أهله على الهواء مباشرة ويستحل الزنا وكأنه سلمان
رشدي أو تسليمة نسرين، وهذا غير صحيح أو على الأقل ليس بهذا الشكل... وبذلك ساهمت
دوزيم في الإساءة إلى بلدنا وإصرار القناة على وجود تطرف إسلامي في شخص الداعية
المعروف بمنهجه الوسطي القائم على احترام ثوابت الدولة المغربية والمتشبع بروح
الدعابة والمرح وتأليف القلوب والدعوة بالتي هي أحسن. والدليل أنه أنكر في التحقيق
أنه أفتى بقتل المسمى الغزيوي وأنا على يقين أنه لو التقى هذا الشاب لعانقه وقبل
رأسه لأنه لا يعرف الحقد ولا الكره وأبغض شيء عنده هو التطرف والتكفير، و مواقفه
واضحة من تيارات "السلفية الجهادية" و"الشيعة" و"العدل
والإحسان"... لكن دوزيم ليس من مصلحتها أن يعرف الشعب المغربي عبد الله نهاري
الحقيقي الذي كان له الفضل بعد الله تعالى في محاربة الجريمة والانحراف وترسيخ
منهج التدرج في الإصلاح في إطار استقرار البلاد، شخص وديع، كله لين وحب ورحمة
وخاصة بالشباب، دوزيم تريد أن يعرف الشعب عبد الله المتطرف المحرض على قتل العلمانيين
وإعلان الحرب عليهم، وهو شخص لا وجود له إلا في خيال السيدة سيتايل ومن يحركها من
المهووسين بالإسلاموفوبيا أو نهاريفوبيا. إدارة هذه القناة تريد إذن تصفية حسابات
سياسية مع وزير الاتصال الذي أراد إلزامها بدفتر تحملات شفاف ويخدم المصلحة
الوطنية قبل كل شيء. القضية إذن كلها مفبركة ومفتعلة وموضوع الحريات الفردية أو
المرجعية العليا للبلاد لا يحل بالعواطف والانفعالات والتهييج، بل بتحكيم العقل
والالتزام بدستور المملكة وفتح نقاش صحي على الهواء بين صناع الرأي والحكماء، وإن
اقتضى الحال نلجأ إلى استفتاء أو إلى تحكيم ملكي وتهدأ النفوس ونعود إلى المعركة
الحقيقية معركة المشروع الإصلاحي الذي دشنه المغرب مع الدستور الجديد بقيادة الملك
الذي أبان عن حنكة سياسية كبيرة وفوت الفرصة على دعاة الفتنة. نعم لحرية التعبير
للصحفي مختار الغزيوي وللأحداث المغربية ولمديرها محمد البريني الذي سبق أن صرح
"أفضل أن أكون ماسح أحدية في إسرائيل على أن أكون وزيرا في حكومة يقودها
إسلاميون" ! ولكل مغربي ومغربية ، لكن
ماذا عن حرية إمام وخطيب جمعة معتدل حُرم من المنبر ويتم إبعاده من كل المساجد رغم
أنه مع الثوابت و مع التدرج ولا يريد إلا الإصلاح والخير للمغاربة ولكل المسلمين.
يرى أن من يستحل الزنا ويدعو له في وسائل الإعلام يشكل خطرا على الأسرة وعلى
المجتمع وهي دعوة إلى قتل النفس التي حرم الله بالإجهاض وأن هذه فتنة كبرى وجرأة
على الأسرة "والفتنة أشد من
القتل".
محمد السباعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق