لن أخوض في قضية منع أو توقيف الخطباء والوعاظ والتضييق عليهم بسبب ضغط لوبيات قوية مركزيا على الجهة الوصية على الشأن الديني. فهذا ليس بجديد، وجميعنا يذكر ما حدث للشيخ خليل إمام مسجد بدر بوجدة سابقا والأستاذ بنشقرون رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء والمؤامرة المحبوكة ضد الدكتور أحمد الريسوني وضد شيوخ السلفية وغيرهم كثير بسبب أو بغير سبب. فهذا يندرج في إطار سنة التدافع بين دعاة إقامة الدين في المجتمع والتمكين له في جميع مناحي الحياة ودعاة إقصاء الدين وحصره في دائرة العبادات الشخصية. لكن ما يعاب على أنصار المشروع الإسلامي أنهم عاطفيون و لا يحسنون إلا الصراخ و التظاهر والمسيرات وهي أساليب ليست دائما فعالة والأخطر من ذلك أنهم لا يستفيدون من الأخطاء ولا يستوعبون الدروس جيدا. والغريب في مدينة وجدة أن بعض الشباب المتحمس والمتعاطف مع الأستاذ نهاري دعوا إلى تنظيم وقفة أمام منزل فضيلة الدكتور مصطفى بنحمزة باعتباره رئيسا للمجلس العلمي واعتقادا منهم أنه هو صاحب قرار "توقيف" الداعية وهو سلوك غير مسؤول حتى ولو افترضنا أن فضيلته هو من طلب من الأستاذ عبد الله التوقف.
و هنا أريد أن أوجه كلمة لهؤلاء الشباب الأطهار المتوضئين وخاصة منهم الطلبة الذين يحضرون درس الثلاثاء بمسجد القدس. هل سألنا أنفسنا يوما عن أحسن الطرق وأنجعها للتضامن مع الداعية والعلماء والمصلحين عموما وليس فقط الأستاذ عبد الله نهاري؟ هل من الحكمة أن نربك حكومة يقودها إسلاميون بسبب وهم "التوقيف" والمنع والحصار الذي نفاه الأستاذ بنحمزة؟ لماذا يحضر المئات دروس الداعية يوم الثلاثاء بمسجد القدس وفي نفس الوقت نجد الساحة الجامعة شبه فارغة من التيار الإسلامي، يسيطر عليها التيار القاعدي/الأمازيغي الذي انتصر عدديا و يستطيع شل الدراسة متى شاء ويمنع "الإسلاميين" من تنظيم مجرد حلقية صغيرة للتعبير عن فكرهم والذود عن مشروعهم الإصلاحي؟ هل يكفي أن نستمع للدروس الحماسية ونتأثر بها ونتجاوب معها داخل أسوار المسجد، و ما أن نخرج حتى يبرد الحماس وتفتر الهمة وتتوقف الدعوة؟ هل المسؤول الأول عن إنكار المنكر هو الداعية والعالم، أما الشباب وعموم المصلين فلا يعنيهم أمر الدعوة والتغيير؟ لماذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يسمعون آية واحدة أو حديثا واحدا، فينقلب كيانهم ويتغيرون في الحال ويبدؤون في تغيير محيطهم؟ لماذا يواظب الشاب عندنا على الدروس لمدة 20 أو 30 سنة ولا ينبس بكلمة في بيته أو في حيه أو في مؤسسته؟ لماذا تحولنا إلى مجرد متفرجين و مستهلكين للخطاب الدعوي، سلبيين وغير قادرين على الإنتاج والفعل في محيطنا؟ أليس هذا هذر في الطاقات والجهود والأوقات؟
إن الخلل في نظري يرجع إلى المنهج المعتمد في هذا الخطاب الدعوي نفسه، ذلك أن المعلومة الجديدة اليوم أصبحت غزيرة ومتوفرة عند المتلقي ربما أكثر من الداعية نفسه. إن المطلوب من هذا الخطاب أن ينتقل من مجرد النقد والإدانة والتصنيف إلى تقديم مقترحات علمية/عملية للإشكالات المطروحة على الساحة الفكرية، خاصة بعد التمكين الجزئي الذي أكرم الله تعالى به الحركة الإسلامية في عالمنا العربي. لأن الهدف ليس هو مجرد تسجيل الموقف أو تسجيل الهدف في مرمى الخصم، بل جعل هذا الخصم يعترف بالهزيمة التي حظي بها في المجال السياسي ويقتنع أن الإسلاميين أقدر على قيادة الإصلاح والنهوض بالأمة وبناء حضارة إنسانية راشدة، ليس بالكلام فقط بل بالفعل.
إن الإصلاح الحقيقي لن يتم إلا إذا التقط المجتمع كله الرسالة وانخرط فيها، ولم يكتف بمجرد التعاطف وإظهار الحماس وترديد الشعارات واجترار اسطوانة المظلومية والحصار في زمن التمكين الجزئي والفرص الجديدة والآفاق الواسعة والأجواء الإقليمية المناسبة. إن الإصلاح مهمة مجتمعية وليس مهمة داعية منفرد أو تنظيم إسلامي أو حركة دعوية كما يظن البعض، والدعاة و الحركات و التنظيمات مهمتهم إعداد الإنسان المسلم ليكون صالحا في بيئته ومحيطه، أي الانتقال من تعبئة شباب إلى تأهيل قيادات وتخريجها لتنخرط في مشروع الإصلاح. بل المطلوب اليوم أن تتجاوز رسالتنا محيطنا الداخلي لأن الغرب نفسه في حاجة إلى قيمنا ومنهجنا في الأخلاق والاقتصاد والاجتماع، ولكنه لن يقبل بضاعتنا إلا إذا أحسنا عرضها وتسويقها بالحكمة اللازمة كما أمرنا الشرع الحنيف.
وعلى مستوى المغرب، تتقتضي هذه المرحلة الإسهام في بناء الجيل القيادي المنشود ليضطلع بمهام الإصلاح ويملأ المساحات الفارغة و بذلك نضخ دماء جديدة في مختلف التخصصات الثقافية والتربوية والفنية والسياسية والنقابية...وهذه المهمة الجديدة تحتاج إلى خطاب جديد وأسلوب جديد يلتزم بالشورى في ظل المؤسسات، وفق تخطيط استراتيجي قائم على رؤية واضحة تثمر عملا مندمجا متكاملا، لا خرجات إعلامية أو حركات غير محسوبة يستثمرها الخصم لإضعاف الدعوة والتشكيك في قدرات الإسلاميين.
محمد السباعي
هناك تعليق واحد:
الله يحمى بلادكم وبلادنا وسائر بلاد العرب والمسلميين ... :)
إرسال تعليق